علاقة الدين بالسياسة

من الممكن أن يقال: إن القبول بولاية الفقية هو بمثابة تدخل في السياسة, وإن تناول السياسة والتعرض لها من جانب الفقيه قد يلحق ضررًا بقدسية العالم الديني، أي الفقية، وإنه لهذا السبب يجب على الفقيه أن يلتزم فقط بقضايا الإفتاء والقضاء وأن يختار الاحتراز والابتعاد عن التدخل في القضايا السياسية حتى لا تلحق به أية شبهة تخل بقدسية مكانته.

وفقًا لهذا، يجب علينا أن نبحث في العلاقة بين الاثنين حتى يتضح ما إذا كان الدين يحظر على الفقيه أن يتدخل في السياسة أم أن غير المتدينين هم الذين يسعون – عن طريق الدين – من أجل تحقيق أهدافهم السيئة؛ ولهذا نجدهم يرفعون شعار فصل الدين عن السياسة وضرورة ألا يتدخل الفقيه في السياسة وإلا تنتهك حرمته.

بشكل عام يجدر بنا أن نعرف مصطلحي الدين والسياسة حتى تتضح جليًا – في إطار هذا التعريف- حقيقة علاقة الدين بالسياسة.

بالنسبة للدين: هو عبارة عن مجموعة من القوانين والتشريعات الحياتية التي تحكم جميع أبعاد الحياة الشخصية والاجتماعية والمادية والمعنوية للبشر. أما السياسة: فثمة تعريفات عدة لهذا المصطلح ويبرز في هذا الإطار تعريفات أكثر شمولاً، التعريف الأول: هو أن السياسة هي فن التزوير والخداع، وتعني أيضًا استخدام وتوظيف كل الوسائل والأدوات الممكنة من أجل الوصول إلى الهدف. بعبارة أخرى السياسة تنتهج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

التعريف الثاني: مفاده أن السياسة هي تدبير وإدارة الشئون الحياتية للفرد والمجتمع في المجالات المختلفة. وعند التعرض للعلاقة بين الدين والسياسة يتبادر إلى الذهن تساؤل هام مفاده: هل البشرية تحتاج إلى السياسة أم لا؟ وإذا كانت تحتاج إليها فأي تعريف من التعريفين السابق ذكرهما تحتاج إليه البشرية؟

من المؤكد أن كل فرد – وكل مجتمع – خلال مسيرة حياته يحتاج إلى التخطيط في جميع شئونه المعيشية فاحتياج البشر إلى الإدارة يعد من أهم الضروريات والبديهيات الخاصة باحتياجات البشر. أما السياسة بمعنى التزوير والخداع فهي بالقطع موضع نفور من جانب البشر وذلك بالرغم من أن محترفي التزوير والخداع يعتبرون ويصنفون أنفسهم بأنهم سياسيون لا لشيء إلا من أجل خداع الرأي العام، وفي هذا الصدد يقول الإمام على بن أبي طالب في كتاب نهج البلاغة: ((والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس)). في هذا الصدد فإننا نبحث العلاقة بين الدين الذي يعني مجموعة من التشريعات الحياتية، والسياسة التي تعني الإدارة. في إطار هذين التعريفين نوجه السؤال التالي للعلمانيين: ما هوهدفكم من شعار فصل الدين عن السياسة؟ وإذا لم يكن هناك ارتباط وعلاقة بينهما فكيف ستتم إدارة المجتمع دون وجود تشريعات؟ المؤكد أن الإدارة بدون تشريعات غير ممكنة وغير متصورة، وبالتالي فإن التشريعات إذا لم تدخل حيز التنفيذ وتم إعاقتها فإنها تصبح من الشئون والأمور العبثية التي لا طائل من ورائها. إذن لا يوجد أمامنا مفر إلا أن نقول: إن الدين والسياسة هما عنصران متلازمان ولا يقبلان الفصل، والفصل بينهما هو أمر غير ممكن فالطرفان (الدين والسياسة) متلازمان حتى في حالة الأخذ بالمعنى السلبي للسياسة القائل: بأنها تعني التزوير والخداع، ففي هذه الحالة أيضًا توجد علاقة بينها وبين الدين وهي بالقطع علاقة سلبية؛ لأن الدين لا يسمح بالتزوير والخداع ويحذر من هذا كله.

لو أن مقصود هؤلاء الأفراد هو أن الدين ليس إدارة، فإن هذا الاعتقاد يبدو صحيحًا من الناحية الشكلية؛ لأن الدين ليست له شخصية حقيقية مادية يمكننا أن نطلق عليها كلمة مدير أو إداري، بل إن الدين شخصية معنوية تحتاج إلى شخصية حقيقية –بوصفها مديرًا – حتى تقوم هذه الشخصية بإدارة المجتمع الإسلامي طبقًا لتشريعات الدين، وهو ما نرى أنه لا يعني أبدًا فصل الدين عن السياسة، بل يعني فصل الدين عن السياسي وإن ظلت الحاجة إلى السياسي لا مناص منها.

من هنا نقول: إن المدير والسياسي يجب أن يكونا عارفين بقوانين وتشريعات الدين الإسلامي بشكل كامل أولاً، وثانيًا يجب أن تكون لديهما القدرة على تحقيق وترسيخ وتنفيذ هذه التشريعات.

وهذا نفسه لا يخرج عن مفاد ومضمون ولاية الفقيه، إذ أن كل من لا يتمتع بهذين الركنين الأساسيين لن يوفق أبدًا. المؤكد أن لكل مجتمع تشريعاته الخاصة, ومن المؤكد أيضًا أن مدير كل مجتمع سواء كان مجتمعًا دينيًا أم مجتمع غير ديني يجب أن تكون لديه معرفة كاملة بالتشريعات الخاصة بذلك المجتمع.