في لقاء وصف باللقاء الحاشد بمدينة شيكاغو الأمريكية أكد فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية أن الإسلام ينظر إلى غير المسلمين وخاصة أهل الكتاب نظرة تكامل وتعاون وبالأخص في المصالح المشتركة المبنية على قاعدة القيم والأخلاق التي دعت إليها كل الأديان وحظيت بالقبول والرضا من كل البشر وأن الإسلام وضع قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن في صورة واضحة لا تحتمل اللبس أو التأويل أن الناس خلقوا جميعًا من نفس واحدة بما يؤكد وحدة الأصل الإنساني.
وقال مفتي الجمهورية أن الناس جميعًا في الإسلام لهم الحق في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، ولا يصح أن يكون اختلاف البشر في ألوانهم وأجناسهم ولغتهم ودياناتهم سببًا في التنافر والعداوة، بل يجب أن يكون ذلك داعيًا للتعارف والتلاقي على الخير والمصلحة الإنسانية المشتركة، وأن ميزان التفاضل الذي وضعه القرآن الكريم هو فيما يقدمه الإنسان المؤمن من خير للإنسانية كلها .
وشدد على ضرورة العمل لإخماد دعاوي التطرف الذي يسعى إلى تخريب مجتمعنا، وخدمة مصالح من يضمرون للمسلمين الشر من خلال بث مشاعر الخوف في قلوب أصدقائنا، وأنه يتحتم علينا تقديم كل الدعم للعلماء المتصدرين للرد على هذه الدعاوى، وإيفاد طلبة العلم إلى معاهد التعليم الديني التي تتسم بالوسطية والاعتدال كالأزهر الشريف، لتمكينهم من نشر الرسالة الحقيقية والمتزنة البعيدة عن الغلو في الدين في هذه البلاد .
كما دعا مفتي الجمهورية جميع المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة إلى تحمل المسئولية تجاه الدين الإسلامي وإظهار صورته الحقيقة السمحة الوسطية، وأن يقفوا جميعا وراء المنظمات و المؤسسات الاجتماعية والثقافية الإسلامية التي تقدم خدمات يلمسها المجتمع الأمريكي ككل ، والتي تبدد ما تدعيه وسائل الإعلام المغرضة كل يوم بدون وجه حق و يؤكد على وجود فرص حقيقية لزيادة علاقات التقارب والتواصل الفكري والحضاري والإنساني والثقافي بين الحضارتين العربية الإسلامية والأمريكية.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها فضيلته خلال افتتاح المؤتمر السنوي السابع والأربعين للمجتمع المسلم بأمريكا الشمالية ـ إسنا ـ بمدينة شيكاغو أمس والذي عقد تحت عنوان " إقامة مجتمعات تسودها المحبة: الربط بين الإيمان و الخدمة المجتمعية " بحضور كبار القادة السياسيين والحكوميون والعلماء والأكاديميين والدينيين والمتحدثين والشخصيات العامة المؤثرة بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وشهده ممثلي مئات المؤسسات المجتمعية والمهنية فيها وما يربو عن 30 ألف شخص للتأكيد على حرص المسلمين في رخاء هذا البلاد.
وطالب مفتي الجمهورية الجاليات الإسلامية والمنظمات الإسلامية العاملة في المجتمع الأمريكي بالاهتمام بالجانب الخدمي الذي من شأنه أن يعود بالخير على مجتمعهم في كل جانب من جوانب الحياة كما طالب بإنشاء المؤسسات التي تخدم الفقراء والمحتاجين، وتخفف من معاناتهم ودعا إلى إطعام الطعام وإفشاء السلام الذي يحمل في طياته معنى حب الغير والإيثار الذي يحث عليه الإسلام أشد الحث.
وأوضح أن الإيمان بلا عمل كالبناء بلا أساس وكالشجر بلا ثمر، وأن أهم ثمار الإيمان هي ما ينبثق عنه من عمل، وثمار هذا المجتمع ستُقطف من خلال تنمية المؤسسات التي تخدمه، والتي تنبني بأفعالها وليست بأقوالها.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن قيادات المنظمات الأهلية للجاليات الإسلامية هم سفراء الرحمة والعمل الخدمي في مجتمع يسعى سعياً حثيثا للاندماج، مؤكدا على نجاح كافة هذه الجهود والمساعي طالما استمروا في التمسك بتعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاعتدال والرحمة والعمل الخدمي و التطوعي.
وأضاف أن دستور الإسلام حدد الأصول التي يجب مراعاتها عند التعامل مع غير المسلمين وتتلخص في قوله تعالى" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " ، وأن أساس تلك الأصول هو التسامح والعفو الذي يعني التجاوز عن الذنب وإسداء الإحسان وفعل الخيرات.
وأوضح مفتي الجمهورية أن أساس النظرة المتسامحة التي تسود المسلمين في معاملة مخالفيهم في الدين ترجع إلى الأفكار والحقائق التي غرسها الإسلام في عقول المسلمين وقلوبهم، ومنها أن الأصل وحدة بني البشر وتكريم الإنسان وأن الاختلاف في الدين أمر قدري بمشيئة الله تعالى وأن المسلم غير مكلف بمحاسبة غيره من المخالفين له فضلاً عن إكراهه وجبره لمخالفة دينه بالإضافة إلى حث الإسلام على العدل الذي به ينتظم الوجود الإنساني.
وأشار إلى أن حرص آلاف المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة على المشاركة في هذا الاجتماع القائم على روح التسامح، والاحترام، والود، والذي يوضح بما لا يدع للشك أن دائرة الاتفاق بين الأديان أكبر بكثير من دائرة الاختلاف.
وقال مفتي الجمهورية أن الإسلام والمسيحية يشتركان في قيمتين في غاية الأهمية؛ وهما حب الله وحب الجار كما هو ثابت في آيات القرآن الكريم، والكتاب المقدس وأنه لم يعد هناك مكان ولا إمكانية للعزلة ولا الانعزال، لم يعد هناك إلا أن نعيش سويًا على هذه الأرض، وأن نصنع أسس الحوار كما أرادها الله تعالى وهذا جوهر ما نادت به المبادرة العالمية "كلمة سواء".
ونوه مفتي الجمهورية إلى وجوب توطيد العلاقات مع الآخرين خاصة مع غير المسلمين ،وأنه يتعين علينا أن نقف صفا واحداً وندافع عن ديننا لتأكد على أننا لسنا متطرفين ولا متعصبين، ولكننا أتباع دين لا يعرفون الأثرة بل الإيثار.
ومن جانب آخر أعرب المفتي شكره وامتنانه باسم الأمة الإسلامية لمدينة شيكاغو وأهلها، مشيرا إلى أن مدينة شيكاغو فتحت ذراعيها واحتضنت الجاليات الإسلامية بمنتهى السخاء، وجعلتهم يشعرون وكأنهم في أوطانهم.
2014-12-22, 11:55 am من طرف علاء الجبالي 25
