مع الحب يولد العذاب، وهي حقيقة أكدها مجنون بني عامر فقال : ( أنفس العاشقين للشوق مرضى وبلاء المحب لا يتقضى ليس يخلو اخو الهوى إن تراه كل يوم يلام أو يترضى باكيا ساهرا نحيلا ذليلا ليس يهدأ وليس يطعم غمضا )
ويؤكد محب آخر هذه الحقيقة وهو جميل بثينة فيقول :
(( إذا ما دنت زدت اشتياقا
وان نأت
أرقت لبين الدار منها وللبعد ))
كما يؤكد العباس بن الأحنف الذي شيب الحب رأسه قبل أوان المشيب:
(( أبكي إذا سخطت ، حتى إذا رضيت بكيت عند الرضا من خشية الغضب . ))
ويأخذ بن حزم الأندلسي صاحب كتاب ( طوق الحمامة ) في الألفة والآلاف ما قاله المجنون ليحدد لنا أعراض الحب ، يقول :
(( المحب يأنس بالوحدة ، ينحف دون مرض ، يساهر النجم ، المحب دائم القلق ، يقلق عندما يحول دون اللقاء ما يحول ، يقلق من مخافة الهجر ، يحب قرابة محبوبه وخاصته ، يجزع إذا أعرض المحبوب ويبكي إذا قسا .
ويقرأ ابن الجوزي أعراض الحب فيتألم لألم المحبين ويكتب العلاج ، إنها وصفة عمرها ألف سنة أو تزيد . يوضح فيها ابن الجوزي خلاصة تجربته وقراءاته لعلاج الحب ، يقول :
إذا أردت أن تشفى من داء العشق فاخش الله ، تذكر الموت والقيامة والنار ، شم البنفسج ، تغذ بالأغذية الرطبة فان بدن العاشق إذا نحف أسرعت فيه الحرارة إلهابا وإحراقا . أطل نومك .أدخل الحمام دون أن تطيل المكث فيه ، اسمع النوادر المضحكة ، سافر لتنأى عن المحبوب ، أشغل القلب بالمعاش ليسلو ، زر المرضى ، اغش مجالس الذكر ، جالس الزهاد والصالحين .
ونعرض هذه الوصفة على المحبين ليروا فيها رأيهم :
ونعرضها على جميل بثينة فيقول :
( زعم الناس أن دائي طبي أنت والله يا بثينة طبي )
ونعرضها على محب ثالث فيقول :
(طلبنا دواء الحب يوما فلم نجد من الحب إلا من يحب (بفتح الحاء) مداويا )
وبالطبع فان المحبين كل المحبين يرفضون هذه الوصفة .
مسكين ابن الجوزي ، وصف الدواء لمرضى لا يطلبون الشفاء