أكدت دراسة علمية أن الاحتجاجات الاقتصادية والسياسية في مصر تختلف عن نظيراتها في الدول الأخرى، لما تتميز به، أبرزها طول فترات الإضرابات نسبيا عما كانت في السابق.
وأوضحت الدراسة - أعدها الدكتور محمد نور البصراتي مدرس بكلية تجارة- جامعة السويس وحملت عنوان "الحركات الاحتجاجية في مصر.. الملامح والسمات" - أن الإضرابات والاعتصامات العمالية التي كانت تحدث في السابق كانت تستمر ليوم واحد أو يومين، ثم تنتهي، إما بتدخل الأمن وفضه بالقوة، أو تهدئة العمال ببعض القرارات الهشة. أما الإضرابات الأخيرة فقد شهدت تغيرا واضحا في أسلوب النظام لاستيعاب الاحتجاجات الاقتصادية.
وضربت الدراسة مثلاً بإضراب المحلة الأول الذي استمر ثلاثة أيام وانتهي بتلبية مطالب العمال، و الإضرابات التي تلت واستمرت لأيام وأسابيع أيضا؛ فطول مدة الإضراب خلق أمرين هامين الأول، هو توسع تأثير الإضراب وأصدائه الإعلامية وهو ما لم تجده الإضرابات القصيرة الأمد والتي ما أن تعلم بها وسائل الإعلام والقوي المهتمة بالحركة العمالية حتى تكون قد انتهت.
وأضافت الدراسة أن الأمر الثاني والأهم هو أن طول مدة الإضراب تعمل على خلق تنظيم داخلي للحياة العمالية في الإضراب؛ فوجود آلاف العمال في نفس المكان لأيام متتالية يفرض توفير آليات للإعاشة وتنظيم الحياة الداخلية وتقسيما واسع النطاق للعمل بينهم، مثل التفاوض، حماية المنشأة، توفير الطعام، التناوب علي التواجد في الإضراب؛ وهو ما أدى إلي تطور الإمكانيات التنظيمية للحركة العمالية سريعا كلما طالت مدة الإضراب.
ولفتت الدراسة إلى أن من أهم الخصائص التي ميزت الاحتجاجات العمالية الأخيرة في مصر والتي تجعلها بداية لمرحلة جديدة، وميزت هذه الموجة عن سابقتها، انتهاء اغلبها بطريقة سلمية من دون أي حسم عنيف من قبل السلطة، هذا بالإضافة إلي الاستجابة إلى أغلب المطالب التي رفعها المحتجون، وهو ما زاد من ثقة العمال في الحركة.
وقالت الدراسة إن العنف الشديد الذي استخدمته الدولة ضد احتجاجات العمال طوال عقد الثمانينات شكل رادعا أمام الحركة العمالية لفترة طويلة، وتراجع الدولة عن استخدام العنف ضد العمال بدد الكثير من المخاوف التي أحاطت بحق الإضراب.
وذكرت الدراسة أن الحركة العمالية في مصر استطاعت أن تعيد الطبقة العاملة إلى اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطى رئيسي على خريطة الأزمة السياسية في مصر، ويبقي على المناضلين الثوريين مهمة التفاعل الخلاق مع الحركة العمالية والتعلم منها والبناء من خلالها كما إن عمليات إعادة الهيكلة و الخصخصة التي ضربت الأوضاع العمالية المستقرة في مصر أزالت معها الكثير من الأوهام التي سيطرت علي الحركة العمالية على مدي عقود.
وأضافت أن الحركة لجأت إلى الإضراب للمطالبة بحقوقها وليس الاعتصام، وهو ما يعني استخدام العمال للضغط الاقتصادي وموقعهم من علاقات الإنتاج، مما يفتح إمكانية أكبر لاكتشاف الطبقة العاملة لنفسها وثقلها الاقتصادي والسياسي.
وأوضحت أن استبدال الطبقة العاملة سلاح الاعتصام بسلاح الإضراب في الاحتجاج يمثل خطوة كبيرة في وعي الطبقة العاملة الجماعي، فعلى مدي ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من 200 ألف عامل وهو رقم هائل في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن، ويقيد قانون العمل فيه حق الإضراب ويفرض علي العمال تنظيما نقابيا واحدا يكون ولائه الأول للدولة.
واستطردت الدراسة إن المطالب العمالية التي رفعها العمال لم تختلف عن سابقاتها وارتبطت أغلبها بالأجور المتغيرة وظروف العمل وعواقب سياسات الخصخصة، ولكن النتائج التي تحققت حملت أفقا أوسع للحركة العمالية؛ فبعد إضراب غزل المحلة وغزل كفر الدوار مثلا قررت الدولة تخصيص حصة من حصيلة بيع بنك الإسكندرية لإسقاط ديون شركات الغزل والنسيج وتحسين شروط العاملين بها، وتعد هذه هي المرة الأولى التي تتوجه بها حصة من حصيلة الخصخصة لمصلحة اجتماعية.
وأضافت الدراسة على أن في مصر يسري فيها خلال الفترة الأخيرة موجة من حركات المعارضة الجديدة، التي دخلت ميدان السياسة بشكل مباشر دون الحصول علي الرخصة القانونية لخوض غمار الحياة السياسية؛ وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض هذه الحركات أن تحفر لنفسها مكانا بارزا في قلب المسرح السياسي, فإن البعض الأخر اكتفي بالمعارضة الإلكترونية، أي من خلال ممارسة نشاطه عبر شبكة الإنترنت مضيفة أن هذه الحركات تبنت أشكالا غير معهودة للتحرك السياسي، ومنها المظاهرات في الشارع كآلية أساسية للعمل السياسي.
وأكدت أن هذه الحركات نجحت في انتزاع حقها المكفول لها دستوريا في التظاهر السلمي, وذلك علي الرغم من تعرضها أحيانا لمضايقات من قبل قوات الأمن في بعض المظاهرات التي تم تنظيمها، وبالإضافة إلي ذلك فقد لجأت هذه الحركات إلي الاعتماد علي ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصالات هائلة وغير مسبوقة.