من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري .. اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.
وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.. وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب، أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب.
وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس. وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسؤولاً عنهم والله ولي التوفيق".
كان ذلك بيان الثورة التي أذاعته الإذاعة المصرية يوم 23 يوليو 1952 بصوت الرئيس الراحل أنور السادات، إيذانا ببدء عهد جديد في تاريخ مصر الحديث وتحولا تاريخيا من مصر الملكية التي توارثها أفراد الأسرة العلوية إلى مصر الجمهورية التي سيحكمها الشعب.
وأعلنت الثورة مبادئها التاريخية الستة وهي القضاء على الإقطاع والقضاء على الاستعمار والقضاء على سيطرة رأس المال وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة جيش وطني قوي وإقامة عدالة اجتماعية.
وقام الشعب المصري بكافة طوائفه -إلا القليل من أصحاب المصالح- بدعم "الثورة المباركة" قبل أن يتحول اسمها إلى ثورة يوليو وإستبشر المصريون خيرا بالثورة ومبادئها النبيلة.
وبمرور 58 عاما على قيام الثورة وإعلان مبادئها الستة يثار التساؤل ماذا تبقى من ثورة يوليو وماذا تحقق من مبادئها الستة.. الواقع الذي نعيشه الآن وحال المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحسب رؤية كثير من السياسيين المعارضين وبعض من شاركوا في الثورة يبدو وكأن لسان حالهم يجيب " هو كان فيه ثورة أصلا؟!".
فبعد 58 عاما على الثورة وحسب ما يرى الدكتور عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد فمازال الإقطاعيين يسيطرون على مقدرات البلاد الاقتصادية وإن اختلف الشكل والأسلوب ، فإقطاعيين الخصخصة يختلفون في بعض التفاصيل عن إقطاعيين الملك فاروق وإن اتفقوا في كثير من التفاصيل ، وكما يقول العريان إن كل ما بنته الثورة من انجازات اجتماعية وسياسية ضيعها النظام الحالي الذي يروج إلى انه يحكم مستمدا شرعيته من ثورة يوليو.
وفيما يخص "القضاء على سيطرة رأس المال" يقول أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار إن مصر تعيش حالة "ردة" ضد على ضد مبادئ ثورة يوليو وحدثت ثورة مضادة من بعض أبناء الثورة على مبادئها مثل الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات والخصخصة وبيع أراضي الدولة والقطاع العام في عهد مبارك.
وعن " إقامة حياة ديمقراطية سليمة " يؤكد الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد أن مصر منذ الثورة وإلى الآن مازالت تعاني من غياب الديمقراطية، وأنها مازالت في حاجة إلى إصلاحات دستورية وتشريعية ملحة وعاجلة.
وحول "إقامة عدالة اجتماعية" يقول الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة "هناك خطأ ما في النظام السياسي والمجتمعي المصري نظراً للطابع اللاديمقراطي في الحكم والحزب الوطني الذي يحتكر السلطة في مصر منذ 30 عاماً حيث بدأت كل السياسات تصاب بحالة من الترهل وعدم الكفاءة، حتى شهدت مصر الآن حالة من التدهور الاستثنائي اولتفاوت الطبقي والفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء لم تشهدها من قبل طوال تاريخها السياسي المعاصر".
الغريب والمثير للدهشة والتساؤل أنه وبعد مرور 58 عاما من قيام ثورة يوليو يبدو وكأن شيئا لم يتغير وكأن الفارق بين ما قبل الثورة وما بعدها انه قبل الثورة كانت حياة ملكية إقطاعية قمعية بالأبيض والأسود و وما بعدها لم يتغير شيئا سوى أن الأوضاع أصبحت بالألوان.
فبعد مرور 58 عاما مازالت أحداث رواية القدير يوسف السباعي " رد قلبي " والتي تحولت لفيلم بنفس الاسم تكرر نفسها وتفاصيلها، فـ"علي" الشاب المصري الحالم بطل الرواية حتى الآن لم يتزوج فتاة أحلامه "إنجي" ولا حتى قادر على الزواج من غيرها ، ومازال الريس عبد الواحد رمز الطبقة العاملة أو السواد الأعظم من الشعب، يعمل في حديقة ومصانع وشركات القصر بالرغم من اختلاف أسماء ونوعية مالكيه.