نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية السبت مقالا لفضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية تحدث فيه عن أهمية التعاون ما بين الأمم وظهور أصوات معتدلة تتسم بالموضوعية والحيادية من أجل نبذ التطرف والتعرف على الأخر.
وتناول فضيلة المفتي في مقاله بعنوان "تضافر الجهود هو السبيل الأوحد لتفادي وقوع الكوارث"، والذي لاقى صدىً واسعاً في الأوساط البريطانية وذكرته إذاعة الـ "بي بي سي" لأحد هذه الأصوات المعتدلة، وهو الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا الذي كان ولا يزال من أهم مؤيدي تعزيز أواصر التعايش والإخاء بين أتباع الديانات المختلفة.
وقال الدكتور على جمعة في مقاله الذي نشرته التايمز صباح السبت: "مما لا شك فيه، أن الحضارة الغربية الحديثة استفادت من الحضارة الإسلامية الشيء الكثير، والعكس بالعكس، وإذا كنا نرى بعض الشخصيات الغربية التي تعمل على تشويه الإسلام والافتراء عليه، يقوم البعض الآخر أيضا برفض الغرب كلية،إلا أننا نجد أن هناك من أبناء الحضارتين قامات وشخصيات تتسم بالموضوعية والحياد والإنصاف في عرض حقائق عالمنا المتعدد. تلك الأصوات المعتدلة هي التي تضئ شعلة نشاطنا نحو بناء عالم من التعايش السلمي".
وأشار إلى أنه من أبرز هؤلاء المنصفين الأمير تشارلز، أمير ويلز وولي عهد المملكة المتحدة،الذي لا يزال يؤكد أن الحضارة المعاصرة ليست نتاج حضارة كبيرة واحدة، ولكنها تراكم حضارات عديدة لها نفس الحجم والشأن الرفيع ، أسهم فيها آخرون، وخطابه الأخير عن الإسلام والبيئة خير شاهد على الطبيعة التعاونية التي تربط بين الحضارتين. إنه يدعو إلى استرجاع الإسهامات
الكبيرة التي قدمتها ولا تزال تقدمها الحضارتين العربية والإسلامية للغرب .
ولفت في مقاله إلى أن الأمير تشارلز تحدث عن الأزمة البيئية العالمية بصفة خاصة ثم أشاد بدعوة الإسلام للحفاظ على البيئة معتبراً إياها نموذجاً يُحتذى، وانها تمثل نقطة البدء في التعامل مع الخلق، وبالتالي مع الطبيعة،- وفقا للتصور الإسلامي- هي العلاقة التي يتعين وجودها بيننا نحن البشر وضواحينا، وهو مستوى رفيع يزيد على مستوى المحافظة والتنمية، فالإسلام وجه الإنسان إلى إنشاء علاقة بينه وبين غيره من المخلوقات فيها مشاركة وحنين وشوق، فالكون في المنظور الإسلامي طائع للّه يسبح ويسجد، يحب المطيعين ويبكي رحيلَهم عن الدنيا، ويبغض العاصين الكافرين ولا يبالي بزوالهم وهلاكهم؛ وذلك لأن المطيعين متناغمون متشاركون معه في أداء السجود والتسبيح، أما الآخرون فهم معاندون متنافرون مع كل ما يحيط بهم".
وأضاف فضيلة المفتي أن الأمير تشارلز كذلك ألقى الضوء في خطابه كذلك على أهمية هذه التعاليم المشتركة بين الأديان، وأن تجاهل حقيقة احتياجاتنا الروحية فسوف نؤدي بأنفسنا إلى خواء عميق ينعكس في النهاية على الطبيعة ويؤثر فيها تأثيراً حاداً ، وأنه إذا تجاهلنا نداء الروح ، ونسينا أننا جزء من الطبيعة فإننا في الحقيقة نحدث فيها تدميراً هائلاً.
وقال الدكتور على جمعة: "إن الرؤية التي تميز بها الإسلام رؤية متكاملة للكون تدعو الإنسان إلى المحافظة عليه وحسنِ الانتفاع بما فيه من موارد، وطالما أن الكون يسبح ربه ويحمد خالقه عز وجل فإن أي اعتداء عليه أو تصرف فيه بغير حق يعد عبثا وطغيانا يؤدي حتما إلى الفساد، وينبغي أن يجرم صاحبه؛ لأن أيَّ اعتداءٍ على الكون يعد اعتداءً على حق الإنسان في الحياة، والمسلم بهذا التصور يحترِم جميع المخلوقات أصغرِها وأعظمها؛ لأنه يراعي فيها عظمة موجدها ومدبرِها، وقدرة من تعبدها بالتسبيح والسجود".
وأشاد بدور الأمير تشارلز الذي كان ولا يزال من أهم مؤيدي تعزيز أواصر التعايش والإخاء بين أتباع الديانات المختلفة، معتبرا أن جهوده لمد الجسور بين العالمين الغربي والإسلامي جديرة بالإشارة في هذا الصدد.
وكشف المفتي عن أن الأمير تشارلز يعمل الآن على نشر مجموعة من خطاباته بالعربية تحت عنوان:"الأمير تشارلز يتحدث"، ضمنها مقدمة تدعو إلى تضافر جهود أصحاب الحضارات في عصر هيمنت عليه فكرة صراع الحضارات.
وأختتم فضيلة مفتي الجمهورية مقاله في "التايمز" البريطانية بأن "الأزمة البيئية تعتبر شأنا مشتركا يستلزم حلاً مشتركاً، وإذا كان الكثيرون لم يعودوا يؤمنوا بما للدين من دور فإن رؤية الإسلام للبيئة من القوة بحيث يمكن أن تجمعنا، عن طريق وضع الحفاظ على موارد الطبيعة فوق كل اعتبار، ومن ثم يمكن للحضارات، مستفيدة من بعضها البعض، أن تبني في نهاية المطاف جسورا أكثر قوة من التفاهم والتعايش".