غزوة ذات السلاسل
ذكر هذه الغزوة ابن جرير الطبري وابن هشام وغيرهما في حوادث السنة الثامنة لهجرة النبي (ص) ولم يرد فيه ذكر لعلي بن أبي طالب (ع).
وجاء في ما ذكره الطبري حولها أن النبي (ص) أرسل عمرو بن العاص إلى أرض بلى وعذرة يستنفر الناس لغزو الشام وأختار لهذه المهمة ابن العاص لأن جدته أم العاص كانت من تلك المنطقة.
وخرج عمرو بن العاص بمن معه حتى بلغ ماء بأرض جذام يقال له السلال ويبعث إلى النبي (ص) يطلب منه المدد، فبعث رسول الله أبا عبيدة بن الجراح في جماعة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب، وقال للأبي عبيدة لا تختلفا، ولم انتهى عبيدة إلى مكان الذي فيه عمرو بن العاص، قال له عمرو، أنا الأمير على الناس فلم يخالفه أبو عبيدة.
وفي سيرة ابن هشام أن النبي (ص) بعث عمرو ابن العاص في ثلاثمائة من المقاتلين إلى بني قضاعة وكان قد بلغه أنهم يحاولون مهاجمة أطراف المدينة، ولما بلغته كثرتهم بعث إلى النبي (ص) فأمده بأبي عبيدة في مائتين من المهاجرين والأنصار.
ومحصل ما جاء في الإرشاء حول هذه الغزوة أن إعرابيا جاء يخبر النبي (ص) أن قوماً من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل واتفقوا على أن يبيتوك بالمدينة ووصفهم له فأرسل إليهم أبا بكر في جماعة من المسلمين ومضى حتى قارب أرضهم وكانت كثيرة الأحجار والقوم يقيمون في بطن الوادي، فلما انتهى بمن معه إلى الوادي خرجوا إليهم وقتلوا من المسلمين جماعة وانهزم بمن معه، فلما دخل المدينة أرسل النبي (ص) عمر ابن الخطاب فكان نصيبه نصيب صاحبه، ثم أرسل عمرو بن العاص فمثل نفس الدور الذي مثله صاحباه، وأخيراً لم يجد بداً من إرسال علي (ع) فأرسله في جماعة فيهم أبو بكر وعمر وعمرو ابن العاص وغيرهم من المهاجرين والأنصار وخرج معهم إلى خارج المدينة وودعه ودعا له ومضى علي (ع) بمن معه متجهاً نحو العراق فظن من معه أنه يريد غيرهم ومضى على الطريق على غير الطريق المؤدية إليهم، ثم انحرف نحوهم واستقبل الودي الذي فيه القوم وكان يسير ليلاً ويكمن نهاراً.
فلما اقترب من الوادي لم يشك ابن العاص أن الفتح سيكون على يده، فجاء إلى أبا بكر وقال له أنا أعلم بهذه الأرض من علي أبن أبي طالب وفيها من الضباع والذئاب ما هو أشد علينا من بني سليم، فإن خرجت علينا قطعتنا فكلمه لعله يتركنا نعلو الوادي، فجاءه أبو بكر يعرض عليه الفكرة فلم إليه علي (ع)، ثم جاءه عمر فلم يلتفت إليه، وبقى أمير المؤمنين مرابطاً في مكانه حتى الفجر ثم هاجم القوم على غفلة منهم فأمكنه الله من السيطرة عليهم وقتل سبعة من أبطالهم الأشداء وتم الفتح على يده.
ونزلت على النبي (ص) سورة العاديات بهذه المناسبة فبشر النبي (ص) أصحابه بالفتح وأمرهم أن يستقبلوا علياً (ع)، ولما انصرف علي (ع) عنهم راجعاً إلى المدينة ومعه الغنائم والأسرى وأصبح قريباً منها رأى النبي (ص) مقبلاً عليه ومعه المسلمين، فترجل عن فرسه، فقال له النبي (ص) اركب: فإن الله ورسوله عنك راضيان، فبكى أمير المؤمنين فرحاً، فقال له النبي (ص) يا علي (ع): لولا أني أشفق أن تقول فيك الطوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقت فيك مقالة لا تمر ملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك.
وفي هذه الغزوة يقول السيد الحميري:
وفي ذات السلاسل من سليم
غذاة أتاهم الموت المبير
وقد هزموا أبا حفص وعمراً
وصاحبه مراراً فستطيروا
وقد قتلوا من الأنصار رهطاً
فحل النذر وأوجبت النذور
أزار الموت مشيخة ضخاماً
جحاجحة تسد بها الثغور
وجاء في مجمع البيان للطبرسي عن أبى عبدالله الصادق (ع) إن سورت العاديات لما بعث النبي (ص) علياً إلى ذات السلاسل فأوقع بهم، بعد ان بعث غيره من الصحابة ورجعوا خائبين، ولما نزلت على النبي (ص) خرج إلى الناس يصلي بهم الغداة فقرأ السورة في صلاته،فلما فرغ قال المسلمون إن هذه السورة لم نعرفها، فال رسول الله نعم ان علياً ظفر بأعداء الله وبشرني جبرائيل بذلك هذه الليلة فقدم علي (ع) بعد أيام بالغنائم والأسرى.
وجاء في تسمية هذه الغزوة ذات السلاسل هو ان علياً بعد ان تغلب عليهم وقتل جماعة شد الأسرى في الجبال مكتفين كأنهم في سلاسل.
وقيل ان السلاسل اسم لماء في ذلك المكان، وقيل ان المشركين ربطوا بعضهم ببعض بالسلاسل حتى لا يفروا من القتال .
ويدعي الأمين اعيان الشيعة ان الذين ذكروا هذه الغزوة بهذا النحو كل من الراوندي في الخرائج وعلي بن إبراهيم في تفسيره والزجاج ومقاتل ووكيع الثوري والسدي وعد جماعة غير هؤلاء.