سؤال:
كنت
في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في
الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة.
قلت لذلك الشخص: إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة
إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا
الشأن وأين أجد الدليل على ذلك؟!.
الجواب:
الحمد لله. أولاً: مسألة الصلاة على القبور.
الصلاة على القبور على قسمين:
القسم
الأول: الصلاة لصاحب القبر ، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأن الصلاة
عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: ( واعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئاً )، وقال تعالى: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ).
القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل:
1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه.
دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن
أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ
كَانَ يَقُمُّ - أي: يُنظِّف - الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا
كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ
قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا ) رواه البخاري واللفظ له
(458) ومسلم (956) .
2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد ، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : "
تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن ؛
لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد ، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم
عنها فقالوا : ماتت ، فقال : " أفلا كنتم آذنتموني ؟ فدلوني على قبرها "
فدلوه فصلى عليها ثم قال : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن
الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة
الدائمة [8/392] .
3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة .
الدليل: أولاً : قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606).
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) .
ثالثاً: "تعليل" وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور،
أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند
طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها
وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله أو إلى أن يتشبه
بالكفار.
4- الصلاة إلى المقبرة ، وهذه محرمة - على الصحيح - .
صورة
المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر ، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة ،
بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة ، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز.
الدليل على التحريم:
1-
عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا
إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو
إلى القبور أو إلى القبر الواحد .
2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر
فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي
إليها فإنه يدخل في النهي ، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله : " لا
تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة ، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا
طاعة ومعصية ، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به .
تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي،
كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر
فلا بأس. والله أعلم. انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين
(2/232) رحم الله الجميع .
ثانياً: مسألة الشفاعة.
قد أخطأت في قولك: إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين.
ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط :
الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع.
الثاني: رضى الله عن المشفوع له.
والدليل على الشرطين قوله تعالى: (
وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن
يشاء ويرضى ) النجم/26 وقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن
الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم . انظر
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص
(336-337) ط1 .
إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
أجاب عليه: محمد بن صالح المنجد.