كتب ماهر حسن ٥/ ٩/ ٢٠١٠
قس وخطيب وثائر وطنى يُعد نموذجاً حياً لمعنى الوحدة الوطنية، لم يعبأ بمنصب ولم يخش سلطانا،إنه القمص سرجيوس المولود فى جرجا فى سوهاج سنة ١٨٨٢، ورُسِّمَ قساً على بلده «ملوى» باسم القس ملطى سرجيوس، ثم عُيِّن وكيلاً لمطرانية أسيوط فى أكتوبر ١٩٠٧ أصدر سرجيوس مجلة المنارة المرقسية فى سبتمبر ١٩١٢ فى الخرطوم عندما كان وكيلاً لمطرانيتها، كمنبر لدعوة الأقباط والمسلمين إلى التلاحم الوطنى. غضب عليه الإنجليز وأمروا بعودته إلى مصر فى أربع وعشرين ساعة،
وفى ثورة سنة ١٩١٩، برز القمص سرجيوس وسط الثائرين، فكان أشبه بعبدالله النديم، إذ وهبه الله لساناً فصيحاً جعله خطيبا رفيعا مفوها إلى حد جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب خطيب مصر أو خطيب الثورة الأول. خطب سرجيوس فى الأزهر لأكثر من مرة معلناً أنه مصرى أولاً ومصرى ثانياً ومصرى ثالثاً، وأن الوطن لا يعرف مسلماً ولا قبطياً، بل مجاهدون فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وهو نفسه الشخصية التى ظهرت فى أحد أفلام حسن الإمام «ثلاثية نجيب محفوظ» معتلياً المنبر يخطب فى المسلمين مؤكداً الوحدة الوطنية أثناء ثورة ١٩١٩.
ذُكِر عنه أنه ذات مرة وقف فى ميدان الأوبرا يخطب فى الجماهير المتزاحمة، وفى أثناء خطبته تقدم نحوه جندى إنجليزى شاهراً مسدسه فى وجهه، فهتف الجميع: «حاسب يا أبونا، حايموتك»، وفى هدوء أجاب أبونا: «ومتى كنا نحن المصريين نخاف الموت!! دعوه يُريق دمائى لتروى أرض وطنى التى ارتوت بدماء آلاف الشهداء. دعوه يقتُلنى ليشهد العالم كيف يعتدى الإنجليز على رجال الدين».
وأمام ثباته واستمراره فى خطابه تراجع الجندى عن قتله، مرة أخرى وقف هو والشيخ القاياتى يتناوبان الخطابة من فوق منبر جامع ابن طولون، فلما ضاق بهما الإنجليز ذرعاً أمروا بنفيهما معاً إلى رفح فى سيناء وهناك لم يتوقف عن كتابة الخطابات إلى المندوب السامى البريطانى.. يندد فيها بسياسة الإنجليز، وقضى سرجيوس والشيخ القاياتى ثمانين يوماً فى هذا المنفى، وفضلا عن مجلة «المنارة المرقسية» أصدر عدداً كبيراً من الكتب كذلك كتب الكثير من المقالات فى مجلات غير مجلته، كان يوقع عليها باسم «يونس المهموز».
إلى أن وافته المنية فى مثل هذا اليوم ٥ سبتمبر ١٩٦٤، وأطلق اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة بالقاهرة.