بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
من المقرر بين الموحّدين أن الله تعالى لا يشبهه خلقه بوجه من الوجوه، ومن صفاته العلمُ بكل شىء قال الله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [سورة الأنعام/101]، فلو كان يصح لغيره تعالى العلمُ بكل شىء لم يكن لله تعالى تمدَّحٌ بوصفه نفسَه بالعلم بكل شئ، فمن يقول إن الرسول يعلم بكل شئ يعلمه الله فقد جعل الرسول مساويًا لله تعالى في صفة العلم فيكون كمن قال الرسول قادر على كل شىء، وكمن قال الرسول مريد لكل شىء، سواء قال هذا القائل إن الرسول عالم بكل شىء بإعلام الله له وقادر على كل شىء بإقدار الله له فلا مَخلَصَ له من الكفر.
والحاصل أن الله هو المنفرد بالإحاطة بالغيب علمًا، لا أحد من خلقه يحيط بالغيب علمًا، ومن اعتقد أن أحدًا غير الله يحيط بالغيب علمًا فقد كذَّب القرءان.
وقد ألف بعضٌ رسالة ذكر فيها أن الله أطلع الرسول على كل ما يعلمه بلا استثناء وهذا مصادمة للنصوص كقوله تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [سورة الأعراف/188]، وهذا غلو شبيه بغلو النصارى في قولهم: اتحد اللاهوت بالناسوت أي اتحد الله بزعمهم بالإنسان يعنون عيسى.
وكيف يعقل أن يكون الرسول أحاط علمًا بكل الأمور الخفية والظاهرة مما تعلق به علم الله تعالى، وعلم الله شامل للجائزات العقلية والمستحيلات العقلية والواجب العقلي، حتى إن الله يعلم ما سيحدث إلى ما لا نهاية له جملة وتفصيلاً.
ثم ماذا يكون ما في اللوح بالنسبة إلى ما لم يكتب فيه من معلومات الله لأن الآخرة لا نهاية لها، وفي كل زمن تحدث حادثات كثيرة، فأنفاس أهل الجنة والنعيم الذي يتجدد لهم وكذلك أنفاس أهل النار وما يتجدد لهم من الآلام إلى ما لا نهاية كل ذلك يعلمه الله سبحانه وتعالى.
وهذا القول المذكور وقع من بعض المنتسبين للبريلوية لكن نظن أن فضلاءهم لا يقولون به، والله أعلم.
الأدلة الشرعية في إبطال هذا القول
مما يَرُدُّ ذلك قولُه تعالى:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ} [سورة الأنعام/59]، وقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [سورة التغابن/18]، وقد تمدَّح تبارك وتعالى بإحاطته بالغيب والشهادة علمًا، فهذا القائل إن الرسول يعلم بإعلام الله له كل شىء يعلمه الله جعله مساويًا لله في إحاطة علمه بكل شىء.
ومما يَرُدُّ ذلك أيضًا قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {27} [سورة الجن] أي أن الذي ارتضاه الله من رسول يجعل له رصدًا أي حفظة وهم الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الشيطان.
وقد تبين أن الآية ليس فيها اطلاع الله الرسول على العلم بالغيب لا على الإطلاق ولا على البعض وإنما يُعلم إطلاع الله النبي والولي والمَلك على بعض الغيب من غير هذه الآية، لأن هذا مسكوت عنه بالنسبة لهذه الآية، وإنما الذي فيها أن الله لا يُطلع على جميع غيبه أحدًا من خلقه.
وقد عُلم اطلاع الله المَلك والنبي والولي على بعض الغيب من دليل ءاخر مثل قصة الخضر عليه السلام المذكورة في القرءان فإن فيها اطلاع الله خضرًا على بعض الغيب وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخضر أنه قال لموسى: "يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر" رواه البخاري، وأحاديث أخرى كالحديث الذي فيه إخباره عليه الصلاة والسلام بأن أمته ستفتح بعض البلاد.
ومن الغلط القبيح استدلال بعض الناس على اطلاع الولي على بعض الغيب بالآية السابقة {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ {27} [سورة الجن] حيث قال: لما أثبت اطلاع الرسول عُلم بطريق التَّبَع اطلاع أولياء أمته على الغيب، وهذا منشؤه ظنهم أن "إلا" هنا استثنائية، بل "إلا" في هذه الآية كإلا التي في قوله تعالى:{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ {22} إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ {23} فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ {24} [سورة الغاشية] كما قال اللغوي الثعالبي وغيره، فلا يصح كونها هنا بمعنى الاستثناء لفساد المعنى على ذلك لأنه يكون المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسيطر على الكفار.
والمعنى المراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مسيطرًا عليهم لكن الله يعذب أولئك الكفار العذاب الأكبر لكفرهم، لكن هؤلاء الغلاة في هذه الآية لا يَدَّعون أنها استثنائية فكيف جعلوها في تلك الآية استثنائية؟!.
والتفسير السديد للآية {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [سورة الجن/27] أن يقال: الله تعالى عالم الغيب والشهادة فلا يطلع على جميع غيبه أحدًا من خلقه لكن من ارتضى من رسول يجعل له رصدًا، فإلا هنا ليست استثنائية بل هي بمعنى "لكن"، فليس معناها أن الله تعالى يظهر على غيبه من ارتضى من رسول.
فيُفهم من الآية أن علم الغيب جميعِه خاصٌّ بالله تعالى فلا يتطرَّق إليه الاستثناء، فتكون الإضافة في قوله {عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} {26} للعموم والشمول على مقتضى قول النحويين والأصوليين ان المفرد المضاف للعموم، فيكون معنى {غَيْبِهِ} {26} أي جميع غيبه، وليس المعنى أن الله يُطلِع على جميع غيبه من ارتضى من رسول.
قال الإمام الفقيه المحدث الأصولي بدر الدين الزركشي في البرهان ما نصه: "وتُقَدَّر - يعني "إلا" بـ "لكن" كقوله تعالى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} {22} {إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ} {23} [سورة الغاشية] و{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ اجرٍ إِلاَّ مَن شَاء} [سورة الفرقان/57] وقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ} [سورة الإنشقاق/25] في سورة الإنشقاق و{إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ}[سورة الغاشية/23] في ءاخر الغاشية، وكذلك:{إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [سورة الجن/27]، ودخول الفاء في دليل انقطاعه ولو كان متصلاً لتم الكلام عند قوله:{رسولٍ} " اهـ.
وقال اللغوي علي بن محمد الهروي في باب مواضع "إلا" أنها تكون بمعنى لكن ما نصه: "وقوله: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} {26} {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ}{27} معناه: لكن من ارتضى من رسول فإنه يسلك" اهـ.
وقال المفسر اللغوي أبو حيان ما نصه: "قال ابن عباس: {إِلاَّ} بمعنى لكن فجعله استثناء منقطعًا" اهـ.
وقال المفسر السمين الحلبي ما نصه: "قوله: {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى}{27} يجوز أن يكون منقطعًا أي: لكن من ارتضاه فإنه يُظهره على ما يشاء من غيبه بالوحي" اهـ.
وذهب بعض المفسرين مذهبًا غير هذا فقالوا: إن الرسول يُظهره الله على بعض الغيب، فجعلوا "إلا" هنا على معناها الذي هو الأكثر استعمالا وهو أن تكون للاستثناء المعهود، لكنهم لم يقولوا بذاك القول الفاسد.
فعقيدة أهل السنة أن الله تعالى منفرد بخلق الاجسام والأعراض كلها من حركة وسكون وتنفس ولمحة وطرفة وغير ذلك، وأن من نسب خلق شىء من ذلك إلى غيره استقلالا يكون كافرًا لرده قوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ }[سورة الزمر/62].
قال الحافظ الفقيه اللغوي محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في شرح الإحياء ما نصه: "لم يتوقف علماء ما وراء النهر في تكفير المعتزلة" اهـ لأجل إثباتهم للعبد التأثير أي على هذا الوجه أي على وجه الخلق والإبراز من العدم إلى الوجود.
وقال الإمام المُقَدَّم من الأشاعرة أبو منصور البغدادي: "أصحابنا أجمعوا على تكفير المعتزلة" اهـ، وذلك في كتابه "تفسير الأسماء والصفات" وفي كتابه "الإمامة". وقوله: "أصحابنا" يعني به الأشاعرة والشافعية لأنه رأس كبير في الأشاعرة الشافعية.
فكما أن من أنكر انفراد الله بخلق كل شىء مخالف لهذه الآية كذلك الذي ينكر انفراد الله بالعلم بكل شىء يكون مخالفًا لقوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة/29].
ومن قال إن أحدًا غيرَ الله يعلم بكل شىء فقد ساوى بين الله وبين ذلك المخلوق. فقول بعض الناس: إن الرسول يعلم كل الغيب أي يعلم جميع ما يعلم الله من طريق عطاء الله فقد ساوى بين الله تعالى وبين الرسول والعياذ بالله تعالى.
ويرد هذ العقيدة قول الإمام الجليل أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته التي سماها "عقيدة أهل السنة والجماعة" ما نصه: "وأصل القدر سرُّ الله تعالى في خلقه لم يَطَّلع على ذلك مَلَك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذَريعة الخِذلان وسُلَّم الحرمان ودرجة الطغيان" اهـ.
قال شارح الطحاوية الشيخ سراج الدين أبو الصفا عمر بن إسحاق الحنفي الهندي ما نصه: "القدر هو جعل كل شىء على ما هو عليه من خير وشر، حسن وقبيح، حكمة وسَفه، وبيان ما يقع عليه كل شىء من زمان ومكان وما له من ثواب وهو تأويل الحكمة، والحكمة أن يجعل كل شىء على ما هو عليه، ويُقدِّر كل شىء على ما هو الأولى به قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر/49]، وعقول البشر قاصرة عن الإحاطة بكُنه الحكمة الإلهية، والأبصار حاسرة عن إدراك الأسرار الربانية فيكون القدر من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه وجعل سره مكتومًا عن خلقه، فيكون التعمق فيه وسيلة الخذلان لأن التعمق في طلب الوقوف على الحكمة التي كتمها الله تعالى عن خلقه ينشأ عن الإنكار والارتياب وهو من صفات أهل النفاق، والمناظرة فيه تُفضي الى المنازعة في أحكام الربوبية، فيكون مبدأ التعمق ذريعة الخذلان، والمخذول هو الذي مُنع بسبب خلافه عن النُّصرة والظفر بالحق، ثم باستمراره على الخلاف يكون سُلمًا للحرمان، ثم إذا أكمل ينتهي إلى درجة الطغيان وهو المجاوزة عن الحد المجعول للعبد إلى المنازعة في أحكام الربوبية" اهـ.
قلنا: أورد الطحاوي رحمه الله تعالى ما أورد مبالغة في الإخبار عن كون علم القدر مكتومًا عن الخلائق أجمعين، لأن الله تعالى قال في كتابه {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ} [سورة النمل/65]، والغيب في هذه الآية أُريد به جميع الغيب، والغيب هو ما غاب عن حس الخلق فما غاب عن حس الخلق لا يعلم جميعه إلا الله، ولا يُطلع الله على ذلك نبيًّا ولا مَلكًا، إنما يطلع على بعض الغيب من شاء من عباده من ملائكة وأنبياء وأولياء من الإنس والجن.
ويخالف ذلك أيضًا قولَه تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [سورة الأحقاف/9] فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآية لا يعلم جميع تفاصيل ما يفعله الله به وبأمته فكيف يتجرأ متجرئ على قول: إن الرسول يعلم بكل شىء يعلمه الله؟.
وروى البخاري في الجامع حديثًا بمعنى هذه الآية ورد في شأن عثمان بن مظعون.
فقائل هذه المقالة قد غلا الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [سورة المائدة/77]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلوَّ في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" رواه ابن حبان وغيره.
وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترفعوني فوق منزلتي"، والغلو هو الزيادة عن الحد المأمور به، فقد أمرنا أن نعظم الأنبياء لكن لا يجوز أن نرفعهم فوق منزلتهم كوصفهم بصفات الربوبية.
ومما يرد مقالتهم هذه قوله تعالى {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سورة التوبة/101]، وما رواه ابن ماجه عن الرُّبيع بنت مُعَوِّذ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها صبيحة عرسها وعندها جاريتان يتغنيان وتقولان: "وفينا نبي يعلم ما في غد"، فقال: "أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غدِ إلا الله".
ويرده أيضًا ما رواه البخاري في الجامع من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم محشورون الى الله حُفَاةً عُرَاةً غُرلا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} {104} الآية، وإن أول الخلائق يُكسَى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سَيُجَاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول الله: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح:{وكنتُ عليهم شهيدًا} إلى قوله: {الْحَكِيمِ}، قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم".
وزاد في رواية سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أيضًا: "فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا".
ومن أعجب ما ظهر من هؤلاء الغلاة لمَّا قيل لأحدهم: كيف تقول الرسول يعلم كل شىء يعلمه الله وقد أرسل سبعين من أصحابه الى قبيلة ليعلموهم الدين فاعترضتهم بعض القبائل فحصدوهم، فلو كان يعلم أنه يحصل لهم هذا هل كان يُرسلهم؟ فقال: نعم يرسلهم مع علمه بذلك، والحديث رواه البخاري وغيره.
فبعد هذا كيف ساغ لهؤلاء الغالين أن يقولوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم كل ما يعلمه الله من طريق العطاء ولا نقول من طريق الذات!!.
ومثل هذا الغالي في شدة الغلو رجل كان يَدَّعي أنه شيخُ أربع طُرق قال: الرسول هو المراد بهذه الآية {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [سورة الحديد/3]، وهذا من أكفر الكفر لأنه جعل الرسول الذي هو خلقٌ من خلق الله تعالى أزليًّا أبديًّا، لأن الأول في الآية معناه الذي ليس لوجوده بداية، وهو الله تعالى بصفاته فقط.
الخاتمة
أما قول بعضٍ من هؤلاء: إن الرسول علمُهُ يشمل ما في اللوح المحفوظ كله ويزيد عليه فيُرَدُّ عليه: بأن ارتداد هؤلاء الذين كانوا من أصحابه في الدنيا مقرر في اللوح المحفوظ والرسول صلى الله عليه وسلم خفي عليه ذلك ولم يعلم به، فكيف تجرأوا على دعوى أن الرسول يعلم على وجه الإحاطة بكل ما في اللوح المحفوظ؟!. فقول هؤلاء من أشنع الغلو لأنهم ساووا الرسول بالله تعالى.
قال الحافظ السيوطي في "الخصائص الكبرى" ما نصه: "وأخرج أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتيتُ مفاتيح كل شىء إلا الخمس {إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [سورة لقمان/34] الآية" اهـ.
وقال: "وأخرج أحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود قال: أُوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شىء غير الخمس {إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية" اهـ.
يقال لهم: هذا دليل أهل الحق فهل عندكم من جواب؟ ألا يكفي هؤلاء أن يقفوا عند معتقد أهل السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله، ولو أضافوا الى ذلك أنه أعلم خلق الله تعالى لم يكن بذلك بأس، لكنهم لم يكتفوا بذلك بل ساووه بالله، تعالى الله عن ذلك.
والله نسألُ أن يحفظنا من الفتن إنه على كل شىء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
مواضيع ذات صلة