للكاتب الكبير / أنيس منصور
ولم يحدث أن التقت العبقرية والجنون والفلسفة والعلم في مكان واحد وفى وقت واحد إلا في الكونجرس الأمريكي، عندما عرض عالم الصواريخ الألماني فون براون مشروعا يتكلف مئات الملايين لإطلاق مركبة تدور حول الأرض وتقيس الحرارة والضغط والجاذبية وتصور الكرة الأرضية. أما فون براون فقد خطفه الأمريكان هو وكل المهندسين الألمان الذين ضربوا لندن بالصواريخ لأول مرة في التاريخ، ولما نقلتهم أمريكا اتجهوا إلى صناعة صواريخ سلمية لخدمة العلم وليس للقضاء على الإنسان..
وفى الكونجرس قالوا: الألمان عباقرة مجانين.. يريدون مئات الملايين لإطلاق لعب بهلوانية تدور حول الأرض. ورفضوا تمويل المشروع. وأقام العلماء الألمان جنازة لكل ما اخترعوه واقترحوه.. وفجأة أطلق الروس أول جسم صناعي يدور كالقمر حول الأرض وأطلق صوتا مسموعا لكل المراصد الفلكية: بيب.. بيب.. هذا الجسم اسمه بالروسية «سبوتنك» أي التابع.. للأرض كما أن القمر تابع للأرض. وكان ذلك انتصارا عظيما للعلماء الروس وصفعة عنيفة لأمريكا.. أو كيف لشعب شيوعي لا يجد طعام يومه أن يسبق إلى الفضاء دولة عظمى غنية في كل شيء.
وانطلقت الصواريخ التي ابتكرها الألمان. وأطلقت روسيا كلبة إلى الفضاء.. وأطلقت إنسانا هو جاجارين، ثم أطلقت عروسين وتم بينهما لقاء جنسي أسفر عن طفلة مشوهة خلقيا.. ومضى الروس يتقدمون ويسبقون، وبعد ذلك لحقت بهم أمريكا وتفوقت عليهم في كل المجالات..
وفتحت أمريكا خزائنها لعلماء الفضاء، ليطلقوا المختبرات إلى القمر والمريخ والنيازك محاولين أن يعرفوا كيف بدأت الحياة في هذا الكون.
ولكي تبدأ في أي مكان لا بد من وجود الماء ـ فهم يبحثون عن الماء، بحارا أو جليدا تحت السطح.. ولم يتردد أحد في الكونجرس الأمريكي من أن يقول: هؤلاء العباقرة المجانين سوف يخربون ميزانية أمريكا!
المصدر : جريدة الشرق الاوسط / العدد 10892