أخيرا انتهت من ترقيع حقيبة ابنها الصغير قبل أن توقظه ليذهب الى مدرسته المتواضعة فى آخر الشارع الضيق الذى يسكنون فيه قربت كفيها من فمها...وبدأت تنفخ فيها...وحاولت أن تدفىء كفها الذى صار كقطعة من الثلج... قبل أن تلمس وجهه الصغير..وأخيرا استيقظ....وغسل وجهه بالماء البارد وهو يتأفف...ثم بدأ كعادته يطرح عليها أسئلة كثيره...تجيب عن بعضها وهى تدس رأسه فى الملابس...وتدير وجهها عن بعض الاسئلة الصعبة لكنه هذا اليوم فاجأها بسؤال جديد....
((متى ستشترين لى قميص العيد؟؟))تعثر الرد بين شفتيها...وتعلق بلسانها كى لايخرج...فيجرح قلبه البرىء فقالت له
((غدا باذن الله))ضحك ببراءة..وجرى على مدرسته...ومر بجانب القميص الذى طالما تمناه...ووقف وألصق أنفه بالزجاج وأخذ يتأمل فى القميص...ويتخيل أنه يرتديه....ويفتخر به وهويلعب مع أصحابه كانت البسمة تتمدد على وجهه...عندما قطعها صاحب المحل وهو ينهره عن لمس الزجاج بيديه...فجرى الصغير بسرعة...وهرب من حلمه وردد فى نفسه...غدا سيكون القميص لى..
وأتى الغد....وكرر السؤال....فالوقت يمر...وبقيت ليلتان على العيد...وتنهدت أمه....ونظرت الى عيناه بعمق...وأمسكت وجهه بين كفيها....وقالتله((إن القميص غال يا بنى...وليس معى من ثمنه الا خمس جنيهات)) تنقلت نظراته فى حيرة...فهو يعلم أن القميص باثنى عشر جنيها ونصف...وصمت وهو يفكر...كيف سيحصل على باقى الثمن؟؟
لم يسألها مرة أخرى....فهو رغم صغر ه يعلم الحال....ومرت ليلة ثقيلة...سبقها يوم أثقل...مر فيه على القميص...ونظر اليه بيأس...وطأطأ رأسه...ولم يجرؤ على الوقوف ليشاهده ، وبقيت ليلة..وغداً يوم الوقفة....وبدأ اليوم....وخرج الحبيب فيه أكثر من مرة....يذهب ليطمئن على القميص....ثم يعود الى البيت....وهو قلق بأن يباع لغيره...كان الباب يدق...وقلبه معه يدق...فالخير يأتى كل عيد...وهو ينتظر يداً خفيه تأتى بثمن القميص
للاسف تأخر ت...نعم...انها تلك المرأة العجوز التى تزورهم كل عيد....وتعطيه عشرة جنيهات...انتظرها طويلا....وجلس تحت النافذة يتأمل المارين هنا وهناك....غفل قليلا....فانتفض وجرى على الشارع الضيق....ونظر ليطمئن على القميص...فوجده مكانه....وفر بسرعة من البرد الذى كان يلاحقه....وعاد لمكانه خلف زجاج النافذة ينتظرها....تأخرت...لكنها اخيرا أتت جلست تتحدث إلى أمه وهويراقب يدها وحقيبتها..لم تنتبه إليه الا عندما وقفت لتستعد للخروج
وأخيرا...أخيرا....رقصت البسمة على وجهه...وبرقت الفرحة فى عينه...وقفزت الضحكة من قلبه...وخطف الجنيهات العشرة...وأحضر الكوب الزجاجى...واخرج مافيه ووقف حائرا..واختفت الفرحة....بقى نصف جنيه؟؟
ما العمل جرى على أمه وامسك يدها ونطقت نظراته قبل لسانه ، فهمت...وأخرجت النصف جنيه....ورأت نظرة لم تراها من قبل...أطلت ببراءة من عينيه....كادت ان تحتضنه...لكنه جرى بسرعة ليشترى القميص......ووصل أخيرا لكنه.....وجد المكان مظلم....فقد أغلق صاحب المحل المكان....وغادره الى بيته.....انها ليلة العيد....جلس الحبيب على الأرض....وسالت دموعه تشكو فى صمت ولا تقوى على النحيب...ليتها لم تتأخر....ليتها جاءت أمس....ليتها أعطتنى الجنيهات قبل اليوم
طال غيابه فخرجت أمه لتبحث عنه....فوجدته فى ركن الشارع المظلم يبكى وحده...فجلست قربه.وأحتضنته بحنان....وقامت تحمله إلى بيتها...لكنها سمعت جرس دراجته إنها دراجة صاحب المحل....قد عاد لأنه نسى محفظته....وفتح أمامهما المحل....وامتدت يده الصغيره بثمن القميص لكن البائع ردها بحنان وقال له....خذ القميص يابنى انها...هديتك