نهر النيل.. في الفكر الاستراتيجي المصري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لا تخفى علي أحد أهمية نهر النيل بالنسبة لمصر ليس فقط لأنه شريان حياة ومصدر شبه وحيد للماء.. ولكن أيضاً لأنه العنصر الأساسي لنشوء الحضارة المصرية.. ومن ثم بقاؤها واستمرارها وازدهار علي مر العصور حتى إن (هيرودت) اعتبرها هبة للنيل.. وهو أبلغ وأقصر وصف للعلاقة بين الدولة المصرية والنيل.
فإذا كان الأمر كذلك فاستمرار الحياة علي أرض مصر بدون ماء النيل مشكوك فيه.. والتهديد بمنع جريان الماء من الجنوب إلي الشمال هو تهديد بالموت والتلاعب بحصة مصر من المياه..هو أيضا ً تلاعب بحياة أمة واستهتار بمصير شعب.. وهو يفوق التهديد بالقنبلة الذرية.
ولا أكون مبالغا إذا قلت إن نهر النيل هو أهم مصلحة إستراتيجية في مصر.. والتفريط أو التهاون في التعامل مع هذا الملف هو خيانة عظمى وكفر سياسي ليس لهما توبة في الدنيا.. وربما في الآخرة.
وأقول هذا الكلام في سياق مفاوضات ومناقشات وحوارات ثنائية وجماعية تحدث بين مصر ودول حوض النيل.. حول قضايا مشتركة وخلافات متراكمة.. خاصة بحصص المياه والمشاريع المائية المزمع إنشاؤها في الدول المختلفة العلني منها والسري.
وعلاقة مصر بدول حوض النيل، كانت دائماً هادئة ومستقرة ومطمئنة إلي أن دخل عنصر جديد في هذه المعادلة البسيطة التي كانت إلي وقت قريب من الدرجة الأولى.. فعقدها وحولها إلي معادلة مركبة يصعب حلها.
لدرجة أن وزيرة الري الأوغندية استباحت لنفسها وهي في الإسكندرية في إطار المشاورات بين دول حوض النيل ـ أن تقول: إن الخلافات مع مصر قد يستغرق حلها سنين.
وهذا العنصر الجديد هو إسرائيل التي وطدت علاقاتها بدول منابع النيل.. وأغدقت عليهم الهدايا والأموال والأسلحة والتدريب في جميع المجالات.. وفتحت لهم أبواب أوربا وأمريكا فغضت هذه البلاد الطرف عن ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية.
وتلك البلاد وإسرائيل تسعى إلي تحقيق هدفين أساسين:
الأول: الضغط علي مصر وإرهاقها سياسياً واقتصادياً ومعنوياً وربما عسكرياً.. لإبعادها عن محيطها العربي والإسلامي وإدخال هذه القضية كورقة تفاوض ليس بين مصر والدول الإفريقية ولكن بين مصر وإسرائيل ولذلك لا أكون مبالغاً إذا قلت أن مصر لا تستطيع أن تمنع تصدير البترول والغاز إلي إسرائيل ليس فقط بسبب الالتزامات السياسية المنصوص عليها في معاهدة " كامب ديفيد" ولكن أيضاً لقدرة إسرائيل علي التأثير علي حصة مصر أقول من الحياة وليس من الماء. الثاني: إسرائيل تحتاج إلي الماء بشدة وتستورده من تركيا وتسرقه من لبنان والأردن وتخطط لأخذه حلالاً بلالاً من النيل والموضوع بسيط جداً
فأوغندا علي سبيل المثال لا تستهلك شيئاً من حصتها من ماء النيل ويضيع أغلبها في الأحراش والمستنقعات.. فما المانع أن تشتري إسرائيل حصة أوغندا وتنقلها إلي الأرض المحتلة عن طريق أنبوب أو ترعة السلام .
هذا الكلام ليس كلاماً نظرياً ولا خيالاً جامحاً ولكنه مطروح بقوة في دوائر صناعة القرار الإسرائيلية.
وأكثر من ذلك ما قاله الدكتور "حامد ربيع" في كتابة " الأمن القومي العربي " حيث ذكر أن إسرائيل تقوم بأبحاث وتجارب حول سلسلة جبال تفصل نهر النيل عن نهر النيجر.. فإذا أمكن تفجير هذه الجبال بقنبلة هيدروجينية قد يتحول مجري نهر النيل إلي نهر النيجر ويعلق هو علي ذلك فيقول: حتى وإن كانت الفكرة تبدو خالية لكن ماذا نحن فاعلين لمواجهة هذه الأخطار؟!!!
أما عن الفكر الاستراتيجي المصري تجاه نهر النيل فأعتقد أنه يدرك تماماً هذه المخاطر ويتفهم بدقة كل أساليب العبث الإسرائيلي.. وهو يقوم علي ثلاث محاور:- الأول: يعتمد علي المساعدات الإنسانية والفنية والاقتصادية لدول المنبع عن طريق إقامة مشاريع مختلفة كالمدارس والمستشفيات وحفر الآبار وقطع الحشائش من المستنقعات وتوفير التدريب لكوادر هذه البلاد في مصر بواسطة منح مجانية وتعزيز التعاون التجاري والثقافي مع هذه الدول. الثاني: المفاوضات الجادة البناءة مع تلك الدول والتمسك بحل جميع المشاكل عن طريق الحوار الهادئ في إطار المعاهدات الدولية والقوانين التي تحكم العلاقة بين الدول المتشاطئة في نهر وبحيرة .
ولمصر خبرة في هذا المجال والمفاوض المصري قادر علي إدارة هذا الملف بمهارة .
الثالث: لا توجد مصلحة إستراتيجية في العالم أو في التاريخ يمكن اختزال التعامل معها بالوسائل السلمية فقط.. بل لابد من توقع احتمال اللجوء للقوة فهذا الاحتمال حتى وإن كان ضعيفاً ولكن وارد وطالما أنه وارد فلابد من الاستعداد له .
فهب أن المساعدات والمفاوضات فشلت في إدارة هذا الملف فماذا سنصنع؟!!!
هل نترك شعبنا يموت ظمأً ؟!!! كما قال الشاعر
كالعيث في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
في هذه الحالة لا حل إلي في القاذفات الإستراتيجية الثقيلة طويلة المدى فهي الضامن الوحيد لوصول الماء إلي أرض الكنانة وهي الضلع الثالث لمثلث الفكر الاستراتيجي المصري
منقول.