يوم عاشوراء الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. أما بعد: فإن من نعم الله على عباده أن يوالي عليهم مواسم الخيرات على مدار الأيام والشهــور ليوفيهــم أجورهم ويزيدهم من فضله فما إن انقضى موسم الحج إلا وأتبعه شهر الله المحرم و فيه يوم عاشورا ..... فضل صيام عاشوراء : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) [رواه البخاري 1867] ، ومعنى " يتحرى " أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) . [رواه مسلم 1976] ، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة ، والله ذو الفضل العظيم . أي يوم هو عاشوراء : قال ابن قدامة رحمه الله : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم . وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن ، لما روى ابنُ عبّاس ، قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم ) . [رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح]. الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء : قال النووي - رحمه الله - : ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ. الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ، كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ. الثَّالِثَ : الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلالِ، وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ. انتهى. وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ في عَاشُورَاءَ: ( لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لاَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) [الفتاوى الكبرى ج6 سد الذرائع المفضية إلى المحارم] . حكم إفراد عاشوراء بالصيام : قال شيخ الإسلام : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ . [الفتاوى الكبرى ج5] . وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي : وعاشوراء لا بأس بإفراده . [ج3 باب صوم التطوع] . مراتب صيام عاشوراء : ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب هي : 1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها . 2ـ صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث . 3ـ صوم العاشر وحده . صيام عاشوراء ماذا يكفّر ؟ قال الإمام النووي رحمه الله : يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ . ثم قال رحمه الله : صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ... كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ . [المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ ، وَعَرَفَةَ ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ . [الفتاوى الكبرى ج5]