ما هو الفرق بين الكون والسماء؟ لقد تأملت جيداً ما يكشفه العلماء من حقائق كونية يقينية، وتأمَّلتُ بالمقابل ما جاء في كتاب الله تعالى قبل أربعة عشر قرناً، فوجدتُ التطابق الكامل دون أن نحمّل النص القرآني غير ما يحتمل من المعاني والتفاسير. إن الكون المرئي كما يعرّفه العلماء يشمل كل ما نراه من أقرب ذرة وحتى أبعد مجرة. ولكننا كبشر لا نستطيع أن نرى أكثر مما توفره لنا العدسات المكبرة والأجهزة الرقمية المتوافرة لدينا. ولكن القرآن الكريم وفّر لنا الرؤيا الواسعة والتي لا يتطرق إليها النقص أو الخلل أو العيب. إن القرآن الكريم دقيق في تعابيره، فهو لم يطلق لفظ الكون دون تحديد، بل هنالك لفظ (السماء) ولفظ (النجوم) ولفظ (البروج) ولفظ (الأرض) ... وغير ذلك من الألفاظ المحددة، على عكس العلم الحديث الذي يطلق مصطلح "الكون" وهو مصطلح غير دقيق علمياً، لأننا لا نعرف بالتحديد ما تعنيه هذه الكلمة، هل تعني "كل شيء" إذا كان كذلك فهذا تعبير واسع وغير محدد. وإذا كانت كلمة "الكون" تعني المجرات والنجوم والكواكب أي كل شيء نراه ، فماذا عن الأشياء التي لا نراها؟ إن القرآن يحدد لنا كل مادة في هذا الكون، فهناك نجوم، وهناك أرض وشمس وقمر... وهناك سماء! إن الذي يتأمل آيات الله تعالى يستنبط بسهولة أن السماء الدنيا تبدأ من الغلاف الجوي المحيط بنا، وتمتد لآخر مجرة تم رصدها حتى الآن. وهذا يعني أن الكون الذي يتحدث العلماء عنه هو "السماء الدنيا + الأرض". إذاً السماء تحيط بالأرض من جميع جوانبها وتمتد إلى آخر مجرة يمكن رؤيتها. لأن الله تعالى زيّن السماء الدنيا (أي السماء الأولى) والأقرب إلينا، زيّنها بالنجوم والمجرات تمتد السماء الدنيا من فوق رؤوسنا مروراً بالغلاف الجوي ثم إلى الفضاء حتى نصل إلى آخر نجم يمكن رؤيته. فهذه كلها سماء دنيا، تحيط بها ست سموات أخرى على شكل طبقات بعضها فوق بعض. إذاً الكون الذي يسميه العلماء Universe ما هو إلا السماء الدنيا والأرض، أما بقية السموات السبع فهي أمر لم يكتشفه العلم، ولكن أغلب الظن أن العلم يوماً ما سيكتشف هذه السموات، والله أعلم. في بحثٍ نُشر قبل مدة على موقع الفضاء الأمريكي تناول اكتشافاً جديداً لأحد علماء الغرب اكتشف أن الكون بعد الانفجار الكبير (بعد أن خلق هذا الكون) تشكل ما يشبه الغاز وهو سحابة ضخمة من الغاز، وعندما تمدد الكون وتوسع أحدث ذبذبات صوتية هادئة، ويقول مؤلف هذا البحث: إن الذبذبات التي أطلقها الكون في بداية ولادته تشبه صوت طفل رضيع مطيع لأهله هادئ متزن! وهنا ربما نجد تفسيراً لمعنى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11] ففي هذه الآية يحدثنا الله تبارك وتعالى عن قول السماء والأرض (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) ربما تكون هذه الترددات الصوتية التي أصدرها الكون في بداية خلقه، هي امتثال وطاعة لأمر الله لأن الله تبارك وتعالى يقول: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44]. توجد أدلة دامغة اليوم على أن الأرض تشكلت من الدخان الكوني، وقد كان الدخان ينتشر في كل مكان أثناء تشكل الأرض وبعد تشكلها لملايين السنين، أي أنه في اللحظة التي تشكلت فيها الأرض كان الدخان موجوداً، وفي كتاب الله تبارك وتعالى إشارة رائعة إلى هذا الأمر عندما قال: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 9-12]. طالما كان هذا النص الكريم مدخلاً للمشككين ليوهموا ضعفاء العقول والقلوب بأن القرآن متناقض! فكيف يؤكد القرآن أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم يأتي في هذا النص ليؤكد أن الأرض خلقت في يومين، ثم تم إكمال خلقها في أربعة أيام، ثم خلقت السماء في يومين، فيصبح المجموع ثمانية (2 + 4 + 2 = 8)!! ويظن الملحد أنه انتصر لعقيدته الفاسدة وأخرج لنا تناقضاً علمياً في القرآن، ويكفي أن نجد خطأً علمياً واحداً لنثبت أن القرآن محرف، هكذا يقولون! ولكن لنتأمل بدقة هذا النص الكريم في ضوء الحقائق العلمية اليوم: 1- خلق الله تعالى الأرض في يومين (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) أي أن الأرض لم تكن موجودة فأوجدها الله في يومين ولكنها غير صالحة للحياة. فقدّر فيها أقواتها وخلق عليها الجبال وغير ذلك بشكل يجعلها صالحة للحياة، وذلك في أربعة أيام (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فيكون المجموع ستة أيام. 2- في هذه الأيام الستة كانت السماء موجودة وممتلئة بالدخان، والدليل على أنها موجودة قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) أي أن الاستواء كان بعد خلق السماء وبعد خلق الأرض، أي أنه بعد ستة أيام تمَّ خلق السماء والأرض. إذاً لم يقل رب العالمين (ثم خلق السماء) بل قال (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) فالسماء إذاً مخلوقة وموجودة مع الأرض، وهذا ما يقرره العلم الحديث. 3- ثم بعد ذلك جعل هذه السماء الواحدة سبع طبقات بعضها فوق بعض، وهذه العملية لا علاقة لها بخلق السموات، بل هي عملية منفصلة تمت بعد خلق السموات وسماها القرآن بعملية التسوية، لأن الله قال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) لم يقل (فخلقهنَّ)، وهذا دليل على أن السماء موجودة أصلاً ومنذ البداية، وخلقت مع الأرض ولكنها لم تأخذ شكلها النهائي لأنها كانت دخاناً وهذا ما يؤكده العلماء اليوم! إذاً أكَّد القرآن أن الأرض والسماء كانتا مخلوقتين ثم سوَّى الله السماء وجعلها سبع سموات، ولذلك قال في آية أخرى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 29] تأملوا معي كلمة (فَسَوَّاهُنَّ) لم يقل (فخلقهُنَّ) والخلق يختلف عن التسوية. وإنني أتساءل: ما هي المشكلة بالنسبة للذين يشككون في هذه الآيات ويقولون إن القرآن يحوي خطأً حسابياً واضحاً؟ يقول تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فيقولون: يومان لخلق الأرض + أربعة أيام لتهيئة الأرض + يومان لخلق السماء = 8 أيام وليس 6 أيام وهنا يخلطون بين خلق السماء وبين تسوية السماء، والصواب والذي يُفهم من الآية بوضوح أن الله خلق الأرض وهيَّأها بشكل كامل في ستة أيام، وخلال هذه الأيام الستة خلق السماء أيضاً لأن خلق السماء والأرض جاء متناسقاً لأن الأرض خُلقت من الدخان الكوني الذي كان يشكل مادة السماء في بداية الخلق، وهذا ما يقوله العلماء اليوم. إذاً الله تعالى يتحدث عن خلق السماء والأرض في ستة أيام، ويتحدث عن تسوية السماء وفصلها إلى سبع سموات في يومين، إذن أيام الخلق ستة، واليومين الأخيرين لا علاقة لهما بخلق السماء. فلا يكون هناك أي تناقض في القرآن. والدليل على صدق هذا التفسير أن القرآن لم يذكر أبداً أن خلق السماء استغرق يومين، بل عملية تسوية السماء إلى سبع سموات هي التي استغرقت يومين وهذين اليومين لا علاقة لهما بالأيام الستة عندما قال: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان: 59]. وهنا تأكيد على أن الاستواء يأتي بعد الخلق ولا علاقة له بعدد أيام الخلق. إن خلق الأرض بدأ مع خلق الكون لأن مادة الأرض التي تشكلت منها موجودة في الرتق الابتدائي الذي فتقه الله وخلق منه السموات والأرض، ولذلك من الطبيعي أن يكون عدد أيام خلق الأرض ستة وهذه الأيام الستة هي ذاتها عدد أيام خلق السماء. أما بعد ذلك من أيام لتسوية السماء وتعددها إلى سبع طبقات فهذا موضوع آخر لا يمكن أن نجمع عدد أيام التسوية مع عدد أيام الخلق، سيكون هناك خطأ حسابي، وبالتالي فإن الذين يجمعون هذه الأيام مع بعضها إنما هم الذين يخطئون وليس القرآن! ولنضرب مثلاً على ذلك: عندما أقوم ببناء بيت ويستغرق هذا البناء مني ستة أشهر، ثم بعد ذلك أقوم بفرشه خلال شهرين، فإن أحداً إذا سألني أقول له استغرق مني بناء هذا البيت ستة أشهر، ولكن فترة الفرش وهي شهرين لا تدخل ضمن فترة البناء. كذلك الله تعالى خلق السماء والأرض في ستة أيام ثم فصل هذه السموات سبعاً في يومين، فليس هناك تناقض في هذا الأمر. يقول تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) لماذا الرقم سبعة؟ لأن الله تبارك وتعالى صمم معظم الأشياء في الكون على هذا الرقم فكل ذرة من ذرات الكون تتألف من سبع طبقات. ولذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما حدثنا عن السماوات السبع قال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) مع أننا لا نرى هذه السماوات السبع إلا أنه أودع دليلاً في كل ذرة من ذرات الكون من خلال طبقاتها السبع، وإذا علمنا أيضاً أن الأرض كذلك هي سبع طبقات بعضها فوق بعض ندرك أن الله تبارك وتعالى يحدثنا عن حقائق يقينية وليس مجرد كلمات. الصورة تظهر الذرة بطبقاتها السبع. حاول المشككون إثارة الشبهات حول هذه الآية، فقالوا: إن هذه الآية تدل على أن الأرض خُلقت قبل السماء، فهل يمكن أن نصدق ذلك في ضوء العلم الحديث؟ إذاً القرآن يناقض العلم الحديث! إذاً هو كتاب من عند غير الله لأن الله لا يُخطئ!! إن هؤلاء لم يقرأوا الآية جيداً لأن الله تعالى عندما قال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) إن هذه الآية تدل على أن السماء كانت موجودة قبل أن يستوي إليها، ولكنها كانت في معظمها دخاناً، ثم يقول بعد ذلك: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) إذاً الخطاب للسماء والأرض، وبالتالي أثناء هذا الخطاب كانت الأرض موجودة وكانت السماء موجودة، ولا يعني ذلك أن الأرض خُلقت قبل السماء، ولكن هذا ما فهمه المفسرون حسب علوم عصرهم. أما نحن اليوم فلسنا ملزمين أن نفهم الآية كما فهمها المفسرون قبل ألف سنة مثلاً، لأنه لو توافرت لديهم العلوم لفهموها كما نفهمها اليوم هذا هو الدخان الكوني الذي كان موجوداً أثناء خلق الأرض ومنه خلقت السماء! إن الله تعالى قال عن السماء: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) وكلمة (فَقَضَاهُنَّ) لا تعني (خلقهن) بل هو قضاء الله تعالى في هذه السموات أن يكون عددها سبع سموات، وهذا يدل على أن السماء موجودة منذ البداية ولكن في مرحلة ما استوى الله إليها وأمرها أن تلتزم أوامره ثم فصل هذه السماء عن بعضها فتحولت من سماء واحدة إلى سبع سموات. وفي ظل هذه الرؤية لا أدري أين المشكلة، وأين التناقض الذي يدعيه هؤلاء بين العلم والقرآن؟! الكون المتكرر بعض العلماء عندما درسوا الكون يشبهونه اليوم بالورقة أو الصفيحة المنحنية يقولون: إن الكون له كثافة محددة في توزع المادة خلاله، هذه الكثافة تجعله كوناً أشبه بورقة منحنية قليلاً يعني مسطحة، وأن هذا الكون في نهاية حياته سوف ينطوي على نفسه كما تنطوي هذه الورقة وسوف ينغلق ويعود كما بدأ، حتى إنهم يسمونها نظرية (الكون المتكرر) أي أنه يبدأ من نقطة واحدة، ثم يتوسع ويتمدد، ثم يعود فينكمش على نفسه ويعود كما بدأ، ونحن نعتقد بهذا الكلام لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) وأصحاب هذه النظرية يستخدمون كلمة (Repeat) يعيد، الكلمة القرآنية ذاتها يستخدمها علماء الغرب ليعبروا عنها عن نهاية الكون وإعادة الخلق لماذا؟ لأنهم وجدوا أن كل شيء في الكون يتكرر، فدورة الماء تتكرر بنظام مقدر من الله تبارك وتعالى، ودورة الحياة تتكرر، هنالك دورة للصخور، ودورة للتراب، ودورة للأرض كاملة، ودورة للمناخ على الأرض يتغير كل فترة محددة، ولذلك قالوا لا بد أن يكون هناك دورة للكون وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ). ما هو هدف هذه الحقائق الكونية، ولماذا ذكرها الله في كتابه؟ وإذا تابعنا هذه الآيات نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يقول: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105] فسبحان الله الذي أحكم هذه الآيات، كأن الله يريد سبحانه وتعالى أن يعطيك أيها الإنسان إشارة خفية أن الله خالق هذا الكون (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وأن الله الذي قال عن نفسه: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الذي خلق هذا الكون وخلق فيه الدخان مع العلم أن هذا الدخان لم يتم تحليله يقيناً ومعرفة أن الغبار ليس بغبار بل هو دخان إلا في العام 2006 وحدثنا عن تلك المصابيح في السماء، وحدثنا عن زينة السماء، وحدثنا عن كلام للسماء في بداية خلقها عندما كانت دخاناً، وكل هذه الحقائق نراها اليوم حقائق واقعة أمامنا ويقينية، وتتفق مع القرآن الكريم، ولذلك فإنك أيها الإنسان عندما تدرك هذه الحقائق وتدرك أن الله هو من خلق الكون، وأن الله هو من زينه وهو من أخضعه لإرادته حتى إن السماوات لا تعصي أمر الله، (قالتا أتينا طائعين). عندها يجب أن تقتنع بأن هذا الكلام هو كلام الله تعالى. وسؤالي لك أيها الملحد! هل تقتنع معي بكلام الله تبارك وتعالى؟ وهل تقتنع أن الله هو من حدثنا عن هذه الحقائق قبل أن يكتشفها العلم الحديث؟ وهل تقتنع أن الله تبارك وتعالى كما بدأ خلق الكون من نقطة واحدة سيعيد هذا الخلق وسيعيده إلى النقطة ذاتها كما قال: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ). فإذا اقتنعت بذلك واقتنعت أن كل شيء لله فينبغي عليك أن تدرك أن هذا الكون بيد الله وأن الأرض بيد الله يعطيها من يشاء من عباده، ولذلك قال في الآية التالية بعد أن حدثنا عن نهاية الكون: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وكما قال سيدنا موسى عليه السلام لقومه: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) كأن الله تبارك وتعالى يريد أن يطمئن كل من يؤمن به أن يثق بالله وبعظمة الله، وبقدرة الله تعالى وأنه قادر على كل شيء. فهذه الآيات ليس الهدف منها فقط أن تكون معجزة، هذا هدف مهم أن تكون هذه الآيات معجزة لأولئك الذين ينكرون هذا القرآن، لأولئك الذين يدَّعون أن هذا القرآن كتاب أساطير، وكتاب يحوي على كثير من الخرافات. بل هناك هدف عظيم لنا نحن المؤمنين أن نستيقن بقدرة الله وأن الكون بيد الله، فلا تحزن أيها المؤمن لأن الله قادر أن يرزقك ويحفظك ويحقق لك ما تريد ولكن بشرط أن تثق بالله وبقدرته على كل شيء. وخلاصة القول: 1- القرآن لا يناقض العلم، بل إن قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فيه إشارة واضحة إلى أن الدخان هو أصل خلق السموات والأرض، وهذا ما يقوله علماء وكالة "ناسا" بالحرف الواحد. 2- كلمات القرآن أدق من المصطلحات العلمية، فالعلماء ليس لديهم أي فكرة عن السماء، ولكنهم يتحدثون اليوم عن مادة مجهولة تملأ الكون بنسبة 96 بالمئة، أي أن معظم الكون لا نراه، وقد نتمكن يوماً من رؤية هذه المادة المظلمة وقد تكون هي السماء التي حدثنا عنها القرآن، وإذا صح هذا التأويل فيكون القرآن أول كتاب في التاريخ يتحدث عن المادة المظلمة. 3- ينبغي أن نعلم أن النص القرآني مقدس وثابت وهو كلام الله خالق الكون، ولكن التفاسير غير مقدسة إلا ما صحَّ عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، هذه التفاسير تتغير بتغير العلوم وتطور الزمن، ولذلك فإن التفسير ليس حجة على القرآن، ولو أخطأ أحد المفسرين في فهمه للآية فهذا الخطأ يعود للمفسر وليس للقرآن. 4- لو درسنا جميع آيات القرآن لا نجد أي آية تناقض الأخرى، فأيام خلق السموات والأرض هي ستة، ولا توجد ولا آية تقول إن الله خلق السموات والأرض في ثمانية أيام، إنما هذه شبهة يستغلها الملحدون للطعن في كتاب الله تبارك وتعالى، فينبغي علينا دائماً أن نثق بالله وبكتابه فهو خالق الكون وهو أعلم بما خلق. ماذا نقول عندما نرى هذه الحقائق؟ الحمد لله الذي قال في كتابه: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) هذه آية علمنا الله كيف نحمده عندما نرى آية تتجلى أمامنا في القرآن الكريم، يقول تعالى يعلمنا ماذا نقول أمام هذه الحقائق والآيات المبهرة: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 93].