ما أعظم هذه اللحظة أنت تدخلون الجنة ها أنتم تضعون اقدمكم ..
لحظة صمت تذوبون فيها بعالم ليس له وصف لا تشعرون بمن حولكم تنسون كل ما مضى في رحلة القدوم للجنة ، وصدق الإمام أحمد بن حنبل حينما سئل رحمه الله : متى يجد المؤمن طعم الراحة ؟ قال : عند أول قدم يضعها العبد في الجنة.
لا راحة قبل الجنة ..
المؤمنة في الدنيا في إزعاجات وقلاقل وفتن وحوادث ونكبات وأذى وهم وبلاء ، وهي صابرة على العبادة والمؤمن في الدنيا في إزعاجات وقلاقل وفتن وحوادث ونكبات وأذى وهم وبلاء ، وهو صابر على العبادة
..
طبعت على كدر وأنت تريدها ******** صفواً من الأقذاء والأكدار
فعند أول قدم تضعونها في الجنة تشعرون براحة ليس لها مثيل تنسون كل الأذى والفتن والبلاء .
الاستقبال .. والمستقبلون :
والآن أخوتي المشتاقين بعد الإحساس بالراحة والأمن وقمة النشوة والسعادة
انظروا إلى هؤلاء المستقبلين لكم !!
نعم إنهم يحيونكم بتحية أهل الجنة : سلامٌ عليكم
وقد حكى لنا القرآن ذلك المشهد في قوله جلّ وعلا :) وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ((الزمر:73)
فهنيئاً لكم هذا الاستقبال !!
تستقبلككم الملائكة عند دخولكِ إلى دار السلام ، إلى جنات النعيم ، وأول المستقبلين هو رضوان خازن الجنان[1] ، ثم الملائكة الموكّلون بنعيم الجنة وأهلها ، قال تعالى :)وَتَتَلَقَّـاهُمُ الملائكة هَـذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ()الأنبياء:103) وقال تعالى: )وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ((الرعد :24،23) .
تخيل وأنت تسمع الملائكة تسلم عليك وأنت تدخل مع أبيك وأمك وزوجك ، مع أحبابك ، مع ذريتك ، فكل عائلة إذا كانت صالحة تدخل مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم كما قال الحق تعالى :)وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ()الرعد:23) ، وتستقبلهم الملائكة عند الأبواب تقول: ) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ((الرعد:24(
على أي شيء صبرتم أيها المشتاقون ؟ !
على صلاة الفجر، وعلى قيام الليل ، صبرتوا على صيام التطوع ، صبرتوا على ذكر الله ، وقراءة القرآن .. صبرتوا على ابتلاء الله وعلى ترك المنكرات .
فهنيئاً لكم هذا الاستقبال
أروع مداخل الاستقبال :
انطلقوا بنا رعاك الله مع أروع دخول ..
ماذا عند باب الجنة ؟ ما هي أفضل أنواع مداخل الاستقبال ؟!!
انطلقوا ..
عطشى بل ضمآى أكيد !!
وتحتاجون لاغتسال ..
عند باب الجنة مباشرة أمام الداخل شجرة عظيمة ينبع من أصلها عينان أعدت إحداهما لشرب الداخلين ، والأخرى لاغتسالهم فيشربون من الأخرى لتجري نضرة أشعارهم أبداً .[2]
نعيم نسيان كل شقاء :
يكفي احبتي أن تعلموا أنكم بمجرد دخولكم الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بكم .. وكل نصب وتعب وجهد مرير يتحول إلى سعادة دائمة ..
واسمعوا المولى عز وجل يقول : )وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ((فاطر:33-35( .
لقد انغمست كل جوارحكم وأحاسيسكم بالجنة فصبغت بها ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ... ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله ما مر بي بؤسا قط ، ولا رأيت شدة قط ) .رواه مسلم
لكم حياة ما بها موت وعا********فية بلا سقم ولا أحزان
ولكم نعيم ما به بؤس وما******** لشبابكم هرم مدى الأزمان
هذه هي النفس ورغم تزاحم مناظر البؤس التي عاشتها ورأتها بشتى أنواعها وأحجامها ، وبالرغم من معاناتها الطويلة للشدة التي مرت بها من المحن والابتلاءات إلا إنها تقسم بالله في تلك اللحظات وهي التي ليس من طبعها الكذب عندما كانت في الدنيا فهل تُراها تكذب في ذلك اليوم الرهيب ؟ !
إنه ليس الكذب ولكنه ذلك الشعور الذي تملّكها عندما صبغت صبغة في الجنة فيا ترى ماذا رأت ؟ ورأت؟ ماذا سمعت ؟ وبماذا شعرت ؟ مما جعلها تنسى ذلك البؤس الذي رأته في الدنيا فأقسمت بالله إنها لم تر بؤسا قط ، ولم يمر بها شدة قط
نــور ولكن من أين :
تصوروا ما الذي تروه ؟! لا شمس في الجنة ، سبحان ربي!
من أين يأتي الضوء ؟! وفيها ظلال ، سبحان الله !
ومن أين يأتي الظلال إذا لم يكن فيها شمس ؟!
قال تعالى : ) لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً()الإنسان:13)
أي : لا شمس فيها ولا برد .. من أين تأتي الأنوار إذن؟!
يقول شيخ الإسلام : نور يأتي من قبل عرش الرحمن فيضيء لأهل الجنان .
الله أكبر!
وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن نور الجنة فقال : ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير[3]
فهذه الجنة قد تزينت لمن يطلبها .. في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..
درجات بعضها فوق بعض :
أحبتي اعلموا أن الجنة درجات وليست درجة واحدة ، وهذه الدرجات بعضها فوق بعض ، قال تعالى :) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا((النساء:96) ، وقال عز من قائل :) لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ((الأنفال:4)
ومن الذين وضحوا هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال : "والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيماً ، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم"[4]
احبتي اعلموا أن الجنة مقببة ، أعلاها وأوسعها ووسطها هو الفردوس وسقفه العرش كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )
لكن عاليها هو الفردوس مسـ********ـقوف بعرش الخالق الرحمن
وسط الجنان وعلوها فلذاك كا********نت قبة من أحسن البنيان
منه تفجر سائر الأنهار فالـ********ـينبوع منه نازل بجنان
وأعلى مقام في الفردوس الأعلى هو مقام الوسيلة وهو مقام الشفيع النبي محمدصلى الله عليه وسلم
ومن سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
ثم غرف أهل عليين وهى قصور متعددة الأدوار من الدر والجوهر تجرى من تحتها الأنهار يتراءون لأهل الجنة كما يرى الناس الكواكب والنجوم في السماوات العلا ، وهى منزلة الأنبياء والشهداء والشهيدات والصابرين والصابرات من أهل البلاء والأسقام والمتحابين في الله والمتحابات.
ثم باقي أهل الدرجات ..
وفي الجنة مائة درجة ، وأدناهم منزلة من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ) وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع ، والدرجة الواحدة من الجنة لا يمكن وصف سعتها فهي أوسع مما يتخيل العقل البشري .. إنها جنة عرضها كعرض السماء والأرض ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة مئة درجة ، ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم) رواه أحمد .
نعم أحبتي ليس كما على الأرض التي تعاني بعض المناطق فيها من الاكتظاظ والأزمة السكانية .. فسبحان الخالق المبدع
دعـــاء :
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل
[1] - الجنة دار الأبرار والطريق الموصل إليها ( للشيخ أبي بكر الجزائري )
[2] - الجنة دار الأبرار والطريق الموصلة إليها ( لأبي بكر الجزائري )
[3] - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ( لابن القيم ) / ص96
[4] - الجنة والنار ( لـ د. عمر سليمان الأشقر ) / ص154