قبل أن تقرأ لن ألتفت لاتهاماتك لى بإشعال النار، ولن أغضب إن وصفتنى بالعنصرى، أو قلت إنى جاهل أو سائر ضمن طوابير الغوغاء والعامة والدهماء..
فشرف لى أن أسير بجوار هؤلاء الذين ثبت كرمهم حينما أحسنوا استقبال الجمهور الجزائرى فى القاهرة بعد كل الإهانات التى أطلقوها فى وجه مصر، وشرف لى أن أسير بجوار هؤلاء الذين ثبتت جدعنتهم حينما ذهبوا خلف منتخبهم الوطنى إلى السودان للتشجيع بالعقل والحب، وصمدوا أمام بلطجة "عربجية" الشمال الأفريقى.
كتبت من يومين عن الأخوة العربية وحلم عبد الناصر القومى، والأشقاء، وقلت متوهما أن ما يحدث تقوده قلة قليلة مندسة، وكثير من الكلام الفارغ عن الأصل الواحد واللغة الواحدة والدين الواحد والتاريخ الوحيد.. والآن اسمحوا لى أن أعتذر بشدة عن أحلامى التافهة، واسمحوا لى أن أكون عنيفا بعض الشىء لأن ما سمعته من مكالمات هاتفية لأصدقائنا فى السودان والجزائر، وما شاهدته على قناة الجزيرة تعليقا على أحداث مباراة مصر والجزائر لا يمكن التعامل معه سوى بهذا العنف حتى يعرف كل واحد مقامه، وحتى تعود أنصاص القوالب لمكانها الطبيعى.
فإذا كان الأخوة فى قناة الجزيرة يتكلمون عن الإعلام الحر والإعلام المتميز فتلك بضاعة يروجون لها شفهيا، أما البضاعة الحقيقية التى يبيعونها للناس فى الوطن العربى فهى إعلام النصب والعوالم ولا شىء آخر، فلقد ترك صبيان العوالم "صجاتهم" التى يعلقون بها عادة على الأحداث السخنة ولجئوا إلى الهدوء والتكتم والكذب، معتبرين أن تلك البلطجة التى مارسها "عربجية" الجزائر على الجمهور المصرى فى السودان مجرد أحداث شغب كروية عادية، مكتفين فى برامجهم وشريط أخبارهم بالإشارة إلى أن الجمهور تعرض للقذف بالحجارة، هكذا صدر صبيان العوالم فى قناة الجزيرة الحدث، وهكذا ظهرت شماتتهم فى مصر بعد الخسارة، وهكذا اندهش بعضهم من رد فعل الجمهور المصرى المحترم الذى لم يعتبر الخسارة آخر الدنيا وقدم التحية للاعبيه.
كانوا يتخيلون فى قطر وفى الجزائر وفى غيرها من بلدان الحقد والتخلف والنفوس الشاعرة بالنقص وقلة القيمة، أننا سننام ودموعنا على خدنا، أننا سندبح أبو تريكة ورفاقه فى صالة استقبال المطار، غافلين عن أن الجمهور المصرى أصبح يعلم تماما أنه جمهور كبير فى بلد كبيرة، قد يحزن لهزيمة، ولكنه لا يعتبرها أبدا نهاية المطاف، صحيح أننا كنا هنموت ونصعد كأس العالم، ولكن دوالايب اتحاد الكرة والأندية لدينا مليئة بما يجعلنا نشعر بالفخر والاحترام، ونثق فى أننا سنصعد قريبا لكأس العالم، ولن نشارك شرفيا، ولن تستقبل مرمانا أهداف بالجملة كما يحدث معهم حينما يلعبون مع الكبار.
هذا ما غفل عنه "عربجية" الجزائر الذين حرقوا دمائنا على أهلنا فى السودان والجزائر، غفلوا عن كوننا الكبار، غفلوا عن عيوننا المليانة وسواعدنا التى لا تضرب الحريم والضعفاء و الغلابة الذين يعيشون فى ظل تاريخ ساعدناهم على صنعه، إن لم نكن صنعناه لهم بالكامل.
نشكركم كلكم.. سواء أكنتم من بطلجية الإعلام أو بلطجية الشوارع، نشكركم لأنكم قدمتم للعالم صورة طبيعية وبالألوان لحقيقة المنطقة، ليعلم الجميع أين يسكن التخلف وأين تسكن الحضارة، نشكركم لأنكم قدمتم لمصر لحظة تاريخية تجمع فيها الكل خلف حلم جديد اسمه "الوطن المصرى"، نشكر السفير الجزائر ذلك الموظف الساذج على كلماته التعسة، وارتباكه المخجل، لأنه عرفنا أن ناظر أصغر مدرسة فى أفقر نجع من نجوع الصعيد يصلح ببساطة لأن يكونا وزيرا فى الجزائر أو أميرا لقطر، ونشكر السادة فى قناة الجزيرة الفضائية، لأنهم أثبتوا لنا أن صناعة إعلام العوالم والصاجات لا يحتاج سوى إلى مجموعة من "نبطشية" الأفراح، ونحن لدينا منهم الكثير، ولكننا لم نقرر بعد أن نحول كباريهات شارع الهرم إلى فضائيات تتاجر بكل شىء وأى شىء..
ونشكر ذلك الجمهور العظيم، هؤلاء الجدعان المصريين، الذين نظلمهم كثيرا فى كتابتنا، نشكرهم على هذا الهدوء ونشكرهم على هذه الحكمة، نشكرهم لأننا نعلم تماما أن شارع واحد من شوارع إمبابة أو بولاق قادر على أن يجعل الجزائر كلها أو قطر تنام قبل أذان المغرب، ومع ذلك فضلوا الاحترام على البلطجة.. بجد شكرا أوى للجمهور المصرى، بجد شكرا أوى للمواطنين الذين غلبوا أحزانهم وجلسوا لمتابعة أحوال إخوانهم فى الجزائر والسودان، ومازالوا مصرين على احترام ذكرى جمال عبد الناصر وجميلة بوحريد، وإطلاق كلمة أشقاء على قصار القامة الذين يقفزون بهبل فى محاولات يائسة للحصول على صورة تجمعنا نحن الكبار معهم.
وعموما لا شىء أصبح صالح للكلام الآن سوى ضرورة أن تتدخل القيادة السياسية المصرية للحصول على حقنا، أرجوكم أيها السادة ضعوا الأمور فى نصابها واحصلوا لنا على حقوقنا، كفاكم صمتا على ما يحدث لأبناء مصر فى السعودية وليبيا وغيرها من البلدان المجاورة، وأجبروهم على العودة مرة أخرى للوقوف احتراما للمصريين إن لم يكن على سبيل الاعتذار، فعلى الأقل احتراما لأرواح أجدادنا التى ضاعت وهى تدافع عنهم، وأموالنا التى ذهبت إلى بلدانهم على شكل أسلحة وأطعمة وخبرات وقت أن كانوا بلا شىء، ومدرسونا الذين علموهم وقت أن كان الحصول على العلم عزيزا عليهم.. علموهم الفرق بين الألف وكوز الذرة!