القاهرة - جاءت الأزمة الأخيرة التي تعرض لها نشاط تحويل الأموال في السوق المصرية والتي تجسدت في الطوابير أمام فروع شركة ويسترن يونيون الشهر الماضي لتكشف عدداً من الحقائق الجديدة في هذا البيزنس مما دفع بنوكاً عديدة إلى الانتباه لأهمية نشاط تحويل الأموال والاستعداد للعودة إليه بقوة خلال المرحلة المقبلة.
أولى هذه الحقائق يتمثل في النمو الكبير الذي شهده حجم بيزنس تحويل الأموال في مصر خلال العامين الأخيرين مع ارتفاع عدد العاملين بالخارج، حيث قفز حجم التحويلات الخارجية لهؤلاء العاملين من 4,6 مليار دولار عام 2005 الى 7,8 مليار دولار في العام 2009، وهو الرقم المرشح للصعود ليبلغ عشرة مليارات دولار سنوياً بحلول العام 2015 ويتم تحويل نسبة تتراوح بين 20 و25% من هذه الأموال لتلبية احتياجات استهلاكية ونفقات معيشة لأسر العاملين بالخارج المقيمة داخل مصر، حيث يتم التحويل بمبالغ تتراوح بين 300 إلى 2000 دولار فى العملية الواحدة على مدى أشهر السنة.
ومن الحقائق أيضاً الانتشار الجغرافي الكبير الذي تغطيه عملية التحويلات المالية القادمة إلى مصر سواء في ارتفاع عدد الدول القادمة منها التحويلات، حيث يتواجد المصريون بالخارج رغم تركز معظم هؤلاء العاملين فى دول الخليج ووسط أوروبا بإيطاليا واليونان وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة وكندا، أو في انتشار الفئات المستفيدة من هذه التحويلات فى كافة محافظات مصر.
كما دخلت فئات جديدة من غير المصريين في الاستفادة من عمليات التحويل المالي وفى مقدمة هذه الفئات الصينيون المقيمون في مصر والذين يعملون في أنشطة تجارية متنوعة، وتجاوز عددهم وفقاً لبعض التقارير أكثر من 100 ألف ويعتمد هؤلاء في أنشطتهم التجارية على عمليات التحويل السريعة بين مصر والصين في اتجاهين.
ورغم أن بنوك القطاع العام المصرية كانت هي المهيمنة تاريخياً على إجراء عمليات التحويل المالي للمصريين العاملين في الخارج، لا سيما في دول الخليج العربي، حيث تصدى لهذا النشاط كل من بنكي مصر والقاهرة اللذين يمتلكان فروعاً في عدد من الدول العربية وقيام شركات صرافة خليجية في مقدمتها الراجحي السعودية والفردان القطرية وقيام بعض الشركات العالمية بإصدار شيكات سياحية لحساب بعض المتعاملين معها مثل توماس كوك فإن معظم هذه الأطراف، من بنوك أو شركات صرافة وسياحة ـ انسحبت تدريجياً من نشاط تحويل الأموال خلال السنوات العشر الأخيرة مع تركيز البنوك على العمليات الأكثر إدراراً للربحية خاصة وأن السنوات الأولى من العقد الجاري شهدت تراجعاً في أعداد وتحويلات المصريين بالخارج ولم يعد النشاط مغرياً.
ومع عودة القوة والربحية الى هذا النشاط، بدأت البنوك الدخول مجدداً إلى السوق حيث أبرمت عدة بنوك وفي مقدمتها المصرف المتحد تحالفاً مع شركة موني جرام بينما تفضل بنوك أخرى تقديم الخدمة لعملائها مباشرة اعتماداً على تطبيقات تكنولوجية حديثة أتاحتها ثورة الاتصالات ومنها خدمات التحويل اللحظي التي يتيحها البنك الأهلي المصري لعملائه في دول الخليج العربي بالتعاون مع شركة الراجحي المصرفية حيث يتم صرف الأموال للمستفيد في مصر بمجرد إخطار البنك بإتمام عملية إيداع الأموال في أحد فروع الراجحي الكترونياً كما يمكن إضافة مبلغ التحويل الى حساب المستفيد المصرفي لحظياً سواء كان هذا الحساب المصرفي في البنك الأهلي أو في بنك آخر. كما يستعد بنك القاهرة لتنشيط فروعه في الإمارات وشبكة مراسليه في قطر والسعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان في مجال تحويل الأموال للحفاظ على السمعة التاريخية التي كان يتمتع بها في وقت سابق.
ودخل على الخط أيضاً بنك عودة وبنك بلوم لبنان والمهجر اللبنانيان والمتواجدان منذ عدة سنوات في السوق المصرية، حيث يسعى كل منهما للحصول على حصة مناسبة من هذا النشاط اعتماداً على التواجد الكبير لهما لا سيما في دول المهجر اللبناني في أميركا الشمالية وعدد كبير من دول أوروبا الغربية الى جانب شبكة مراسلين في معظم دول الخليج العربي.
وعزز هذا الاتجاه الجديد لدى وحدات القطاع المصرفي في مصر قرار البنك المركزي المصري مؤخراً عدم إعطاء تراخيص لأي شركات سواء صرافة أو غيرها للقيام بنشاط تحويل الأموال، الأمر الذي يعني قصر النشاط واقعياً على البنوك لا سيما وأن شركات الصرافة خاضت معركة ومارست ضغوطاً من خلال اتحاد الغرف التجارية ومنظمات الأعمال للحصول على تراخيص بمزاولة عمليات تحويل الأموال من وإلى مصر، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل لأسباب يراها البنك المركزي تتعلق بصميم قواعد الرقابة المالية وإحكام السيطرة على خروج الأموال من البلاد.
ومع ذلك لم تفقد شركات الصرافة الأمل في دخول هذا المجال الواعد والمربح والمنخفض التكلفة ولو بطريق غير مباشر عبر التحالف مع بعض البنوك أو تأسيس شركات مشتركة مع بنوك لهذا الغرض.
ويقول محمد الأبيض، رئيس شعبة الصرافة بالغرفة التجارية المصرية، إن شركات الصرافة تسعى الى دخول نشاط تحويل الأموال لعدم وجود شركات في السوق تقوم بهذه العملية واستمرار رفض البنك المركزي المصري التصريح لها بسبب حساسية النشاط وفتح السوق لشركات كثيرة مما يصعب عملية الرقابة على التحويلات.
وأضاف أن سماح البنك المركزي للبنوك بإنشاء شركات تحويل أموال تابعة لها، دفع الكثير منها لإنشاء شركات خاصة بتحويل الأموال لجاذبيتها من حيث العوائد الكبيرة لا سيما لو تم التسويق للخدمة بشكل جيد في المناطق التي توجد بها عمالة مصرية كبيرة مثل منطقة الخليج العربي ومنطقة اليورو في اليونان وإيطاليا وفرنسا.
وأوضح الأبيض أنه لم يكن مطروحاً خلال الفترة الماضية لدى شركات الصرافة فكرة الشراكة مع البنوك لإنشاء شركات لتحويل الأموال حتى تستطيع العمل من خلال البنك تحت شرعية البنك المركزي الا أن شركات الصرافة تسعى للتوسع في تقديم الخدمات المالية في السوق المصرية لاسيما أنه من المنتظر أن تكون هناك تحويلات كبيرة من الخارج في السنوات المقبلة.
وأشار الأبيض الى أن شركات الصرافة في هذه الحالة لن تكون منافساً للبنوك في هذا المجال وانما مكملة لها خاصة الشركات التي تمتلك فروعاً في المحافظات ولديها قدرة على الحركة السريعة أو اجتذاب عملاء، مؤكداً أنه ليس من المنطقي أن تستفيد شركات عالمية مثل “ويسترن يونيون وموني جرام من السوق المصرية المتنامية ولا تستفيد شركات الصرافة المصرية.
ويؤكد باسل رحمي، رئيس قطاع التجزئة والفروع في بنك الاسكندرية سان باولو، أن نشاط تحويل الأموال في مصر بات جاذبا مع ارتفاع حجم تحويلات المصريين العاملين بالخارج حيث ان حجم هذه التحويلات وصل إلى 8,5 مليار دولار قبل الأزمة المالية العالمية، ومع اندلاع الأزمة تراجع إلى 7 مليارات و805 ملايين دولار بنهاية العام المالى 2008 ـ 2009، ثم استقر خلال الربع الأول من العام المالي الماضي عند 1,8 مليار دولار، ثم ارتفع في الربع الثالث الى 2,9 مليار دولار.
وقال رحمي إن نشاط تحويل الأموال نشاط قديم وتقليدي وليس مستحدثاً في البنوك المصرية، ولكن ما جعل هناك منافسة على تقديم هذا النشاط لدى البنوك وجود شركات متخصصة في تحويل الأموال فقط من الخارج إلى الداخل والعكس ودفع ذلك البنوك لإنشاء خدمات وشركات خاصة حتى يمكنها المنافسة في هذا المجال، وكذلك قيام بعض البنوك في إطار هذه المنافسة بخفض العمولات التي تحصل عليها مقابل تقديم الخدمة.
وأوضح رحمي أن البنوك الأربعة الكبيرة في مصر ثلاثة منها ملكية عامة والرابع خاصة وتمتلك عدة مزايا تنافسية تؤهلها للحصول على حصة مناسبة من هذا النشاط وفي مقدمة هذه المزايا امتلاكها قاعدة فروع وعدداً كبيراً من العملاء وشبكة كبيرة من البنوك المراسلة في الخارج، وهو ما دفع البنوك الخاصة التي دخلت المنافسة لتوقيع اتفاقيات شراكة مع شركات تحويلات خاصة لاستخدام فروعها ومكاتبها فى الداخل والخارج للتحويل منها وإليها.
وحول تأثير أزمة منطقة اليورو على نشاط وحجم تحويلات الأموال القادمة إلى مصر، قال باسل رحمي إن هذه الأزمة لم تؤثر كثيراً على حجم التحويلات لأن التحويلات القادمة من اليونان ليست كبيرة في الأساس وبالتالي فإن التحويلات الكبيرة والكثيفة تأتي من دول الخليج ، والتي تحظى بنصيب الأسد من العمالة المصرية المعتادة على تحويل الأموال بشكل دوري، خاصة في بداية الشهور لوجود عائلاتهم في مصر والالتزام بإعالة هذه الأسر.