السؤال :/
أعاني من زوجٍ غير متعاونٍ معي في مجال الدعوة، حيث إنَّه يمنعني من المشاركة في المحاضرات، أو حتى استقبال صديقاتي في المنزل، علماً بأنَّه يعمل في مجال الدعوة، ولكنَّه غير مقتنعٍ بجدوى عملي الدعوىّ، ويشعرني دائماً بعدم الثقة في نفسي، حتى أصبحت أخشى مواجهة صديقاتي والتحدُّث معهنَّ في أيِّ موضوعٍ من موضوعات الدعوة.
\\
//
الجواب :/
أهنِّئك بدايةً على سلوك طريق الدعوة لأنَّه أشرف مهمَّة، والدعوة ميراث الأنبياء من بعدهم، كما أنَّ الحاجة ماسَّةٌ لدور المرأة في هذا المجال، لأنَّ الآيات القرآنيَّة لم تميِّز بين الرجل والمرأة في مجال الدعوة، فقال تعالى في كتابه الكريم: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر"، وقال في آيةٍ أخرى: "ولتكن منكم أُمَّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر"، وهذه دعوةٌ من الله لإيجاد الأُمَّة الفاضلة التي تتألَّف من الرجل والمرأة.
قد تعترض الداعية عقباتٌ تَحُدُّ من نشاطها وتشدُّها إلى الخلف، وأهمُّها عدم تعاون الزوج مع عمل زوجته الداعية، وعدم تفهُّمه لأهميَّة دورها، وهذا من العنت الذي تواجهه بعض الداعيات.
قد يكون أيَّتها الأخت لزوجك عذرٌ في عدم تشجيعك، وقد تكون له أسبابه التي تجهلينها وتحتاج إلى معالجةٍ منك، لا أظنُّ ذلك مستحيلاً ما دام من سالكي طريق الدعوة.
من هذه الأسباب: أن يشعر الزوج بنفحةٍ من الغرور تسيطر على تصرُّفات زوجته معه، وتهدِّد قوامته الحريص على عدم المساس بها، وهذه نقطة ضعفٍ عند معظم الأزواج، فإذا أشعرتيه خلال عملك الدعويِّ أنَّك بحاجةٍ إلى استشارته وأنَّه يُمثِّل الأستاذ الموجِّه لتلميذته، فقد يأمن عند ذلك على رجولته ويغضُّ النظر عن عملك، لأنَّ الداعيات منهنَّ من تخطيء أحياناً وتنسى أنَّها قبل كلِّ شيءٍ هي زوجة، وعليها واجباتٌ ينبغي الاهتمام بها، فالداعية التي تمارس الوعظ في تحرُّكاتها وتتسقَّط أخطاء زوجها لتُلْقي عليه المحاضرات –حتى ولو كانت بنيَّةٍ صادقةٍ وخالصةٍ لله– تثير ضيق زوجها وتشعره باهتزاز قوامته عليها.
أو قد يكون السبب هو التقصير في الشئون المنزليَّة والعائلية، فإذا أهملت موعد غذائه مثلا -وهو هامٌّ ومن حقوق الأسرة عليك- من أجل نشاطٍ دعويّ، أو شغلك عن تأمين الملابس نظيفةً ومكويَّة، أو تكرار غيابك في أوقات راحته أو حاجته لخدمة ضيوفه، أو تهاونتِ عن مساعدة الأولاد في واجباتهم المدرسية أو الحياتية... هذه كلُّها أسبابٌ يمكن أن تجعل الزوج يضيق بعملك الدعويّ، لذا فإنِّ الذكاء والحكمة والصبر وتنظيم الوقت عند الداعية، ومعرفة الأولويَّات عند الزوج التي لا يتسامح في التقصير بها، يجب أن تتوافر عند من تريد سلوك هذا الطريق.
قد يكون من الأسباب أيضاً عدم وجود نماذج نسائيَّةٍ تستحقُّ احترام زوجك، أو عدم لمس الفائدة الثقافيَّة والعلميَّة من حضورك للمحاضرات ومشاركتك الأنشطة... لكلٍّ من هذه الأسباب حلّ، فينبغي معرفة السبب لعلاجه.
لكن، على كلِّ الأحوال، جرِّبي إعطاءه دور المشرف كي تزيد ثقته بدوره، ولا يخشى من تفوُّقك عليه، وحافظي على تأدية واجباتك الأسريَّة، وخاصَّةً في الأولويَّات التي لا يعذرك عند التقصير بها.
احتفظي بملخَّصٍ لما سمعتِ وتعلَّمتِ من المحاضرة أو النشاط الدعويِّ كي يقتنع بفائدة المشاركة على شخصيَّتك وزيادة رصيدك العلميّ، وابتعدي عن ذكر بعض الأحاديث التافهة التي قد تسمعينها من بعض النساء، ولا تنسَيْ شكره عند السماح لك، وأكِّدي على أنَّه السبب في تقدُّمك وتطوُّر شخصيَّتك وأشعريه بالامتنان له.
إذا انتفت هذه الأسباب، لا أظنُّ أنَّ مطلق زوجٍ يمانع في عمل زوجته الداعية، إلا إذا تربَّى على النظرة الدونيَّة للمرأة، وعدم احترام دورها الدعويّ.
والموقف حينها صعبٌ حتى تثبتي له جدارتك واستحقاقك لفخره ودعمه، وإلا فإنَّ نصيبك في العمل في سبيل الله سوف يصلك في بيتك وفي حسن تبعُّلك لزوجك، وكفى بهذا اختزالاً للجهد وكرماً من الله لمن تواجه مثل ظروفك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
تحدَّثت الأستاذة سميرة بحسِّها الدعويِّ وتجربتها كداعيةٍ متزوِّجةٍ وربَّة بيت، فنقلت لك يا أخت أمُّ محمَّد العديد من ثمرات تجربتها وخبرتها في التوفيق بين بيتها ودعوتها، وهي التي حقَّقت –بفضل الله- نجاحاً طيِّباً في المجالين معا، فكان حديثها واقعيّا، عمليّا، ونافعا.
تعقيبي الوحيد هو كلمةٌ أوجِّهها للأزواج الدعاة الذين أدعوهم ليس إلى إعادة النظر في مسألة ترك زوجاتهم يمارسن الدعوة، بل إلى تعدِّي ذلك بمساعدتهنَّ بكلِّ قوَّة، فالأزواج وحدهم ليسوا قوام الأسرة، بل قوامها الأزواج والزوجات جنباً إلى جنب، وحتى تُبنَى الأسرة وتُشيَّد على أساسٍ متين، وجب أن يشارك فيها الطرفان، وبالتأكيد الزوجة الممارسة للدعوة أكثر قدرةً على المشاركة وحسن البناء، والأسرة المسلمة الحقَّة تحتاج إلى تعاضد أطرافها.
نعم لا أحد يقرُّ تقصير الزوجة في حقِّ البيت والأسرة باسم الدعوة، ولا أحد يقبل إهمال الزوجة لزوجها باسم الدعوة، فهذه فروضٌ على المرأة القيام بها، ولكنَّني أطلب من الأزواج بعض رحابة الصدر إذا قصَّرت الزوجة، وألا يعتبر أدنى تقصيرٍ منها حجَّةً ليمنعها من التعلُّم والتعليم، فالإفراط في التقصير من الزوجة خطأ، والإفراط في التقييد من الزوج خطأٌ أيضا.
وبنفس منطق النقطة السابقة –منطق عدم تقصير الزوجة في بيتها- أنبِّه إلى أنَّه لا يجوز للزوج أن يقصِّر في حقِّ أهله وبيته باسم الدعوة، فكم رأينا من دعاةٍ أهملوا بيوتهم لأجل الناس، وأغفلوا تربية أولادهم ليربُّوا أولاد المسلمين، فصلح أولاد المسلمين، وفسد أولادهم! وهذا منطقٌ فاسدٌ باطلٌ لا يقبله أحد.
على الأزواج الدعاة إذن أن يهتمُّوا ببيوتهم، أن يعينوا زوجاتهم على ممارسة الدعوة، ولا بأس من بعض التنازلات الشخصيَّة ورحابة الصدر في التعامل مع تقصير الزوجة الداعية.
هذا خطابنا للأزواج، وقد سبقه خطاب الأستاذة سميرة للزوجات، وعلى الطرفين الأزواج والزوجات أن ينظروا في حالهم، ويزنوا أنفسهم.