كثيرا ما كنت ألتقي سيدة كبيرة في السن داخل الحي الذي أقطنه في باريس تتهادى في الشوارع وكأنها تخطو على أنغام موسيقى تخيلية، ويشرق وجهها بابتسامة خفيفة في وجه كل من تلقاه في طريقها.
ودائما ما كانت ترتدي ملابس متناسقة، وإن كانت غريبة بعض الشيء - مثل تنورة حمراء وسترة واسعة من صوف محبوك وقبعة قرمزية كانت ترتديها في أحد أيام هذا الربيع - لكن الملابس بدت في مجملها جميلة.
من الواضح أنها تحب دوما الظهور على طبيعتها، وخلقت بداخلي اعتقادا بأن النساء في فرنسا ربما تسقط من ذاكراتهن كثير من الأشياء مع تقدمهن في العمر إلا شعورهن بالأناقة.
وإذا كان هناك سر وراء التقدم في العمر برشاقة وجمال، فلا بد أن الفرنسيات يعلمنه تماما، أو على الأقل هذا ما يعتقده الأميركيون، ذلك أننا ننظر إلى ممثلات مثل جولييت بينوش (46 عاما)، أو سياسيين أمثال سيغولين رويال (56 عاما)، أو نجوم لامعين أمثال كاثرين دينيف (66 عاما)، ونقول لأنفسنا إنه لا بد أن لدى هؤلاء بصيرة نافذة تمكنهم من التعامل بنجاح مع عملية «النضوج» أو التقدم في العمر.
حتى المرأة الفرنسية العادية - التي تتسوق على سبيل المثال في رو دو فوبورغ أو سانت أونوري أو تستمتع بتناول غداء على ضفاف النهر أو تتنزه في لكسمبورغ غاردينز - تبدو قادرة على تحدي فكرة أنه مع تقدم الإنسان في العمر يتحتم عليه إخفاء علامات الكبر باستخدام «البوتوكس» أو شد العينين أو نفخ الشفاه ومختلف أنواع الإجراءات التجميلية الرامية إلى إضفاء مظهر «شبابي»، وإلا يتخلى تماما عن الكفاح ضد الشيخوخة ويترك الزمن يرسم علاماته على وجهه كيف شاء.
لكن الفرنسيات يملكن بالفعل مفتاح التعامل الأمثل مع عملية التقدم في العمر..
تدرك النساء على جانبي الأطلسي أن مفتاح مواجهة التقدم في العمر واضح لكنه صعب المنال إذا كانت المرأة تعاني من جينات سيئة أو تقضي وقتا طويلا في الشمس أو تكثر من التدخين.
إلا أنه في الوقت الذي تتعامل الأميركيات مع عملية الرعاية الشخصية على نحو عملي، تعمد الفرنسيات اللائي أعرفهن إلى تدليل جلودهن وشعورهن وأجسامهن باعتبار تلك طقوسا ممتعة.
إن ما تفعله الفرنسيات هو العمل على الظهور بمظهر جذاب في أي وقت، وبخاصة سكان المدن منهن.
وبالنسبة للباريسيات، فإن الحفاظ على مظهرهن يعد أمرا طبيعيا مثل استخدام الإيشارب. ولا يعدو الجمال كونه تقليدا يجري توارثه من جيل لآخر.
مثلا، أخبرتني صديقتي فرنسواز أوغيير ذات المظهر الفاتن: «لقد كانت جدتي تنصحني دوما بقولها: لا تهملي نفسك مطلقا، ولا حتى في أصغر التفاصيل».
لكن من الواضح أن المراهقين الفرنسيين لا يأبهون كثيرا بنصائح الأجداد كأمثالهم من الأميركيين، حيث أخبرتني خبيرة تجميل تدعى مارتين أنها تشعر بقلق بالغ لإقدام عميلاتها الشابات على الخروج من دون وضع كريمات للحماية من أشعة الشمس.
لكن ربما لا ينبغي لها أن تشعر بالقلق، حيث كشفت دراسة مسحية أجرتها شركة «مينتل» البحثية أن 33 في المائة من الفتيات الفرنسيات بين 15 و19 عاما يستخدمن بالفعل منتجات لمكافحة علامات التقدم في العمر أو كريمات ضد التجاعيد.
ورغم اهتمام الرجال الفرنسيين بالأمر، ما يتجلى في نظراتهم للنساء في الشوارع، يبقى الجمال قضية نسوية من الطراز الأول.
وعندما سألت جدة لثلاثة أطفال كيف تمكنت من الاحتفاظ بجمالها على هذا النحو، تجنبت الرد قائلة: «لا أناقش هذه الأمور مطلقا أمام زوجي».. لكن الإجابة الأولى التي حصلت عليها من الفرنسيات حول مكافحة علامات التقدم في العمر كانت تجنب زيادة الوزن، وهو ما تحرص عليه الفرنسيات بشدة.
وإذا ما عاينت فرنسية زيادة كيلوغرام أو اثنين في وزنها، تلجأ إلى كل ما هو ضروري للعودة إلى وزنها السابق.
وقد أخبرتني صديقة فرنسية أنه «أعمل على الحفاظ على وزني ثابتا من دون زيادة أو نقصان. وأتجنب الإفراط في كل شيء».
وأضافت أنها تتناول جميع أنواع الطعام لكن بكميات قليلة للغاية ولا تشرب كحوليات. إن الأمر لا يتعلق بأن «الفرنسيات لا يكتسبن البدانة» مثلما يقول عنوان الكتاب الذي ألفته ميري غيليانو وحقق مبيعات هائلة، وإنما في الواقع الفرنسيات لا يسمحن لأنفسهن عن عمد باكتساب بدانة.
وليس هذا ما يمارسونه.. فعندما وصلت أنا وزوجي إلى باريس وسألنا الخبيرة المصرفية الخاصة بنا، كل فرد لديه الخبير الخاص به، حول توصية لصالة ألعاب رياضية، كان ردها: «لماذا؟! صالات الألعاب الرياضية صورة من صور التعذيب». يبدو أن الطريقة الوحيدة المقبولة لحرق السعرات الحرارية هي المشي.
وإذا كانت الفرنسيات لا يمشين بالصورة الكافية للحفاظ على مظهر رشيق، فهناك دوما استخدام الحبوب أو المحاليل أو الأجهزة أو أي من أساليب المعالجة لتحقيق النتائج المرجوة.
تحتوي الصيدليات على أرفف مليئة بأدوية للحمية الغذائية وتحسين مظهر الجسم. ويشير أحد الكريمات إلى «خفض سريع للوزن في المناطق التي تصعب على الحمية الغذائية» (الورك، والفخذ، والأرداف).
وتؤكد الكبسولات التوصل إلى معدة مسطحة في 4 أسابيع. وأعلن ملصق دعائي منتشر في جميع محطات مترو أنفاق باريس في الآونة الأخيرة عن حزام صغير «يحفز العضلات بصورة إلكترونية» ويدعي أنه يقدم في جلسة واحدة بما يعادل 120 تمرينا من تمرينات البطن. (كما أن هذا الحزام متوافر أيضا في الولايات المتحدة).
كما توصي الفرنسيات بالعناية بالوجه والتدليك والذهاب إلى النوادي الصحية في حملتهن لمكافحة التجاعيد والأنسجة الشحمية الزائدة والترهلات في المقعدة والبطن والثدي.
وإحدى الطرق المفضلة في النوادي الصحية هي العلاج بماء البحر، وهو أسلوب من العلاج قائم على استخدام مياه البحر ونشأ في فرنسا.
ويحتوي هذا الأسلوب من العلاج على تيارات مائية وحمامات طينية واستنشاق ضباب البحر، التي تهدف إلى تحسين الدورة الدموية والنوم وتلطيف العضلات وتقليل الأنسجة الشحمية الزائدة.
وبعض السيدات لديهن حيل كافية - أو لديهن أسباب طبية حقيقية، مثل التهاب المفاصل - للذهاب إلى الطبيب واتباع وصفات طبية لمدة أسابيع في النادي الصحي المفضل لديهن. ويعني ذلك أن التأمين الصحي الحكومي يغطي جزءا كبيرا من التكلفة.
أما عن المكياج، تعتبر بعض الفرنسيات من جميع الأعمار (ما عدا الشابات في سن المراهقة) أن القليل منه أفضل.
ويستطيع استخدام قدر كبير من كريم الأساس إخفاء التجاعيد والمسام، ومعظم السيدات يتجنبنه لإظهار مقدار من حمرة البشرة في الوجه.
واللاتي يستخدمن كريم الأساس يتأكدن من أنه يمتزج مع البشرة، وفي الغالب عن طريق استخدامه بعد الترطيب مباشرة.
والفكرة هي أن يبدو الفرد طبيعيا قدر الإمكان: ألوان قليلة على الجفون، والماسكارا، وربما قليل من مكياج العين وملمع الشفاه.
وبالطبع، من السهولة أن يبدو المرء طبيعيا إذا كانت البشرة جيدة. وهذا هو في الحقيقة مكمن الأسرار الفرنسية.
ووفقا لتقرير لمؤسسة «مينتل»، تنفق الفرنسيات نحو 2.2 مليار دولار في العام على العناية ببشرة الوجه، وهذا المبلغ يساوي مجمل ما تنفقه السيدات في إسبانيا وألمانيا وبريطانيا في هذا المجال.
وإذا تسنى لك استخدام الحمام في أحد المنازل الفرنسية - وهو الأمر الذي لا يعد من الأدب - فقد ترى صفا من منتجات العناية بالبشرة.. وستكون على هذا الرف الكريمات التي تستخدم أثناء اليوم (مع كريمات الشمس)، والكريمات التي تستخدم أثناء الليل وأمصال ومرطبات ومطهرات وكريمات لتفتيح البشرة ومراهم لأي شيء بداية من البشرة البرتقالية وأوردة الدوالي.
بيد أنك قد لا تجد الكثير من الصابون. وتقول كارون إنها لا تستخدم الصابون على وجها أو جسدها (فيما عدا «مناطق معينة»).
ونقلت مجلة «مدام فيجارو» في الفترة الأخيرة عن الممثلة الفرنسية والمذيعة في التلفزيون، ليا دروكر، قولها: «اليوم الذي أوقفت فيه استخدام الصابون، تغيرت حياتي». وفي أثناء فترة بعد التحول، تستخدم أحد الكريمات المرطبة للبشرة.
وكما هو الحال في أميركا، تلجأ بعض النساء في فرنسا إلى أخصائي الجلدية، ومن المحتمل أن يشمل التأمين الصحي الزيارات التي تقوم بها إلى الأطباء.
ولا يدفع النظام الفرنسي السخي مقابل حقن «هوالورونان» أو «البوتوكس» أو «غولغين»، ولا مقابل «شد الجلد» ومعظم الجراحات التجميلية الأخرى.
ولا يوقف ذلك النساء الفرنسيات.. ويقول الدكتور ميشيل سوسالين، وهو جراح من باريس لديه خبرة تبلغ أكثر من 30 عاما، إن الهدف من جراحة التجميل في فرنسا «الحفاظ على الجمال الطبيعي للمرأة لا إضفاء قالب جمالي حالي على النساء».
وتشهد هذه الاتجاهات تحولا. ويقول إنه في الولايات المتحدة تنفق النساء الكثير من الأموال على عمليات شد الوجه بغية التباهي. (وربما يوضح ذلك الوجنتان الناعمتان اللتان ظهرت بهما الممثلة الأميركية إلين باركين، 56 عاما، على السجادة الحمراء في كان).
وعلى النقيض، تفضل النساء الفرنسيات النتائج الطبيعية كلما أمكن. (وتظهر صور إيزابيل هوبرت، 57 عاما، في كان أنيقة رغم ما بدا عليها من تقدم العمر).
وفي فرنسا، لدي صديقة اعترفت أنها خضعت لعملية جراحية من أجل معالجة ترهلات الذقن والرقبة. وكانت سعيدة بالنتائج، ولم يلاحظ أحد ذلك.
وتأتي الطقوس المرتبطة بالشعر في شكلين، التخلص من الأشياء غير المرغوب فيها على الأقدام ومن شعر الإبط (وتفضل النساء الأكبر سنا مزيلات الشعر)، والحصول على أفضل ما يمكن من شعر الرأس. ويعني ذلك تصفيفة شعر كل 3 أو 4 أسابيع، ولونا طبيعيا بصورة معقولة.
وتجعل الكثير من صالونات الحلاقة (50% منها في المنطقة التي أقطن فيها) من السهل إصلاح الشعر بصورة دورية، ويتم ذلك في الأغلب مقابل أسعار منخفضة (18 يورو أو نحو 22 دولارا مقابل قصة شعر وشامبو ومجفف الشعر).
وتستخدم النساء في فرنسا مكيفات ومعالجات أخرى بعد الشامبو، وبعد ذلك يتم الشطف باستخدام المياه الباردة.
وبالطبع، يوجد خلاف حول فكرة أن النساء الفرنسيات تبدو أكبر من النساء الأميركيات. وتزداد معدلات السمنة في فرنسا، ولكن لا تزال أقل كثيرا من معدلاتها في الولايات المتحدة. ولم يعد كل نجم سينمائي أو سياسي محافظا على شبابه.
وتبدو نجمة الإغراء بريجيت باردو، التي تبلغ من العمر حاليا 75 عاما، تعاني من السمنة ولديها تجعدات، كما أنها شاحبة اللون. ولم تعد مارتين أوبري (نحو 60 عاما)، رئيسة الحزب الاشتراكي الفرنسي، بنفس إحساسها للموضة.
وعندما طلبت من كاتي برين، وهي امرأة فرنسية ومحررة سابقة في مجلة «ماري كلير» أن تسمي امرأة ظهر عليها تقدم السن، ذكرت امرأة غير فرنسية: ميريل ستريب.
وبالنسبة إلى المرأة الفرنسية، فإن التقدم في السن عبارة عن حالة مزاجية أكثر منه مجرد مكياج.
وإذا كانت المرأة تشعر بالرضا عن نفسها، ستبدو بصورة جيدة. وكتبت فرانسواز ساجان في إحدى المرات: «توجد سن ما يجب أن تكون المرأة فيها جميلة كي يحبها الناس، وبعد ذلك تأتي فترة يجب أن تكون فيها محبوبة كي تكون جميلة».
ويبدو أن الكثير من النساء الفرنسيات محبوبات عندما يكبرن، حيث يحبهن أفراد العائلة والأصدقاء، وربما الأكثر أهمية، أنهن يرضين عن أنفسهن.