إن الـقـلـوب تـصـدأ وتقـسو، والنفس تضعف وتهبط بها دواعي الشهوات وهواتف الدنيا، والإنـسـان يـعـيـش في هـذه الدار في معركة مع النفس والهوى والشيطان. ولئن كان المقاتل يـحـتـاج للـسلاح المعنوي والمادي؛ فالذي يخوض في معركة المصير أولى بأن يعتني بإصلاح نفسه.
وما تـقـرب إلى الله بأفـضـل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده ؛ فحريٌّ بنا أن نـضـرب مـن ذلك بـسـهـم وافــر ، ومن رحـمـة الله بعباده وفضله عليهم :أن شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولقد صار تـحـزيـب الـقـرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من طلاب العلم فـضـلاً عن عـامـة الـنـاس. في حـين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند السلف.
مشروعية تحزيب القرآن:
حديث أوس بن حذيفة الثقفي ولفظه:(قدمنا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف ، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبة له ، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء ؛ فيحدثنا قائماً على رجليه حتى يُراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ويقول :(ولا سواء، كنا مستضعفين مستذلين ، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم،ندالّ عليهم ويدالُّون علينا)، فلما كان - ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله: لقد أبطأت علينا الليلة؟ ، قال :"إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه"، قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسـلـــم- كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل".
ومن الأدلة ما رواه أبو داود والمرزوي في "قيام الليل" كما في "المختصر" عن ابن الهاد قال:"سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي : في كم تقرأ القرآن ؟ ، فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع : لا تقل "ما أحزبه" ؛ فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "قرأت جزءاً من القرآن"، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
نسأل الله أن يرزقنا حب كتابه ومناجاته والتأسي برسوله في تحزيبه والعمل به وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه أجمعين وسلم .