حديث قدسي
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"إنَّ مُوسَى لما سَارَ بِبَنِي إسرَائِيْلَ مِن مِصْرَ ضَلُّوا الطَرِيْقَ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُم: إنَّ يُوسُفَ لما حَضَرَهُ المَوْتُ أخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقَاً مِنَ الله أن لا نَخْرُجَ مِن مِصْرَ حَتَى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا، قَالَ: فَمَن يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ ؟ قَالَ: عَجُوزُ مِن بَني إسرائِيْلَ، فَبَعَثَ إلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ، قَالَتْ: حَتَى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُك ؟ قَالَت: أكُونُ مَعَكَ فِي الجَنَّة، فَكَرِهَ أن يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ: أعْطِهَا حُكْمَهَا، فَانطَلَقَتْ بِهِم إلَى بُحَيْرَة، مَوْضِع مُستَنْقَع ماءٍ فَقَالَت: انضُبُوا هذا المكان، فأنضَبُوُه، قَالَتْ: احتَفِرُوا واستَخْرِجُوا عِظَامَ يُوسُفَ، فَلمَا أقَلُّوهَا إلى الأرْضِ إذِ الطَرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَهَارِ."
رواه ابن حبان والطبراني وأبو يعلى وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي وقَالَ الألباني: صحيح ( سلسلة الصحيحة ).
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور:
أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، عن سماك بن حرب أن رسول الله صَلَّى الله عليه وَسَلَّم قال: "لما أسرى موسى ببني إسرائيل غشيتهم غمامة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه، وقيل لموسى: لن تعبر إلا ومعك عظام يوسف، قال: وأين موضعها ؟ قالوا: ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في الديار، فرجع موسى فلما سمعت حسه قالت: موسى ؟ قال: موسى، قالت: مَا وراءك ؟ قال: أُمِرْتُ أن أحمل عظام يوسف، قالت: مَا كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم، قال: دُلِيني على عظام يوسف، قالت: لا أفعل إلا أن تعطيني مَا سألتك، قال: فلك مَا سألت، قالت: خذ بيدي، فأخذ بيدها، فانتهت به إلى عمود على شاطيء النيل، في أصله سكة من حديد، موتدة فيها سلسلة، فقالت: إنَّا دفنَّاه من ذلك الجانب، فأُخْصِبَ ذلك الجانب وأُجْدِبَ ذاك الجانب، فحوَلناه إلى هذا الجانب وأُجْدِبَ ذاك، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد، وألقيناه في وسط النيل، فأُخْصِبَ الجانبان جميعا، فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر، وقَالَ لها: سَلي مَا شِئْتِ، قالت: فإني أسألك أن أكون أنا وأنت في درجةٍ واحدة في الجنة، ويُرَدُ عليَ بصري وشبابي، حتى أكون شابة كما كنت، قال: فلك ذلك".
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: أوصى يوسف عليه السَّلام إن جاء نبي من بعدي فقولوا له: يُخرِج عظامي من هذه القرية، فلما كان من أمر موسى مَا كان يوم فرعون، فمرَ بالقرية التي فيها قبر يوسف، فسأل عن قبره فلم يجد أحد يخبره، فقيل له: هاهنا عجوز بقيت من قوم يوسف، فجاءها موسى عليه السَّلام، فقَالَ لها: تدليني على قبر يوسف ؟ فقالت: لا أفعل حتى تعطيني مَا اشترط عليك، فأوحى الله إلى موسى: أن أعطِهَا شرطها، قَالَ لها: وما تريدين ؟ قالت: أكون زوجتك في الجنة، فأعطاها فدَلَته على قبره، فحفر موسى القبر ثم بسط رداءه، وأخرج عظام يوسف فجعله في وسط ثوبه، ثم لف الثوب بالعظام فحمله على يمينه، فقَالَ له المَلَكُ الذي على يمينه: الحِمْلُ يُحْمَلُ على اليمين ! قال: صدقت، هو على الشمال، وإنما فعلت ذلك كرامة ليوسف.
وأخرج ابن عبد الحكم عن ابن عباس قال: كان يوسف عليه السَّلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر، فتجهَز القوم وخرجوا، فتحيَرُوا فقَالَ لهم موسى: إنما تحيركم هذا من أجل عظام يوسف، فمن يدلني عليها ؟ فقالت عجوز يُقَالُ لها شارح ابنة آي بن يعقوب: أنا رأيت عمي يوسف حين دُفِن، فما تجعل لي أن دللتك عليه ؟ قال: حُكمك، فدلَّته عليه، فأخذ عظام يوسف، ثم قال: احتكمي، قالت: أكون معك حيث كنت في الجنة.