لحمد لله رب العالمين
وصلى الله على طه الأمين
وبعد
فاطمة بنت أسد
أول هاشمية تزوجت هاشميًا
وولدت خليفة
واحدة من الصحابيات الجليلات من النساء الفاضلات
اللاتي كان لهن نصيب في تاريخ الإسلام في عهد البعثة المحمدية.
وكان لها مواقف رائعة وخدمات حسان سُجّلت لها بأحرف من نور،
فكانت قدوة صالحة ونبراسًا مشرفًا.
هي فاطمة بنتُ أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي الهاشمية
والدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين
وفارس الإسلام العظيم، وأم الشهيد جعفر الطيار
أحد الأمراء الثلاثة في سريّة مؤتة.
وهي أيضًا جدة سيّدَيّ شباب أهل الجنة الحسن والحسين
سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهي كذلك حماة سيدة نساء عصرها بنت سيد الخلق الصابرة
الشاكرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها.
كما حظيت برعاية النبي صلى الله عليه وسلم
حيثما كفله عمه أبو طالب بعد وفاة جده عبد المطلب.
فهي زوج عمه أبي طالب، ومربيته،
فقد قضى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم
قرابة عقدين من حياته في كنفها، لهذا فهي من أعلم الناس
وأخبرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أجل صفاته الكريمة صلى الله عليه وسلم،
دفعت إليه بفلذة كبدها –ابنها علي- ليكون في كنفه صلى الله عليه وسلم
بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
ولما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم
بإنذار عشيرته الأقربين عندها لبّى النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه،
واستجابت فاطمة بنت أسد وأسلمت، فحظيت بشرف الصحبة النبوية،
كما منّ الله عليها بإسلام أولادها وهم عقيل وجعفر وعلي وأم هانئ وطالب.
التسابق في ميدان الفضائل أمر محمود
فمنذ البدايات الأولى لإسلام فاطمة رضي الله عنها،
كانت رضي الله عنها من المسارعات إلى الخيرات
والطاعات زيادة وقوة في إيمانها، فأصبحت من نساء الصفوة،
ممن كنّ في الرعيل الأول فقد كانت من السابقات في الإسلام حتى قيل:
كانت الحادية عشرة في السابقات إلى الإسلام،
كما كانت من المهاجرات ونالت بذلك أجر الهجرة.
وتحدث ابن سعد في "الطبقات" عن مكانة فاطمة بنت أسد
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أسلمت فاطمة بنت أسد وكانت امرأة صالحة،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها.
وكانت فاطمة رضي الله عنها تلتقي
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده هاشم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترمها ويحبها
لما كانت عليه من صلاح ودين،
وكان يُحسن إليها لرعايتها له في شبابه، ولبرها به،
أضف إلى ذلك أنها كانت حماة فاطمة الزهراء رضي الله عنها،
وكانت مثالاً للرأفة والرحمة في معاملة الزهراء،
إذ كانت تقوم بمساعدة الزهراء، برًّا بها وبوالدها عليه الصلاة والسلام.
وشمائلها رضي الله عنها عديدة فصِلتها بالنبي صلى الله عليه وسلم
أضافت إلى شخصيتها مكرمة عظيمة وهي حفظ الحديث وروايته،
إذ روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة وأربعين حديثًا.
لفاطمة بنت أسد مكانة رفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولهذا كان يُتحفها بالهدايا،
فعن جعدة بن هبيرة عن علي قال:
أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلة استبرق،
فقال: "اجعلها خمرًا بين الفواطم" فشققتها أربعة أخمرة،
خمارًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وخمارًا لفاطمة بنت أسد، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة.
وذكر ابن حجر في "الإصابة" أنه من المحتمل أن تكون
الرابعة فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس
زوج عقيل بن أبي طالب رضي الله عنها.
وقد قال ابن الأثير:
"هي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي أيضًا أول هاشمية ولدت خليفة،
ثم بعدها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت الحسن،
ثم زبيدة بنت المهدي امرأة هارون الرشيد ولدت الأمين لا نعلم غيرهن".
حظيت فاطمة بنت أسد بالكرامة في حياتها وبعد وفاتها،
فقد تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنها ودعا لها بالمغفرة،
ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما،
دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال:
"رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني،
وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيباً وتطعميني،
تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة".
ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور
سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده،
ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه،
وكفنها ببرد فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون،
فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيده وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاضطجع فيه فقال:
"الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد،
ولقنها حجتها، ووسِّع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء
الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين".
وكبر عليها أربعاً، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم.
(رواه الطبراني والحاكم وابن ابي خيثمة وابن حبان).
وذكر السمهودي في كتابه "وفاء الوفا"
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم
بالروحاء في المدينة المنورة.
رحم الله فاطمة بنت أسد الصحابية الجليلة
التي قامت مقام أم النبي حبًّا به وحنانًا عليه،
وهاجرت إلى المدينة حبًّا بالله ورسوله.
ولم تتوقف عن العطاء حتى صارت قدوة رائعة للنساء من بعدها،
رضي الله عنها وأرضاها