و في طريق العودة إلى مكة -بعد خروجه صلى الله عليه وسلم من البستان - بعث الله سيدنا جبريل ومعه ملك الجبال إلي الرسول صلى الله عليه وسلم، يستأذنه في أن يطبق الجبلين – يهدمهما- على رؤوس الكافرين أي: أن يهلكهم جميعا .
روى البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عروة أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي عليه السلام هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من أحد ؟ فقال "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت على وجهي، وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال يا محمد ذلك لك، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا" .
وهكذا يطمئن الله تعالى نبيه ويؤازره بجنود من الملائكة لا قبل للكافرين بهم ولا طاقة لهم بحربهم. لكنه عليه الصلاة والسلام تأخذه الرحمة والشفقة بقومه رغم كل ما فعلوه به وبأصحابه، ويأبى نزول العذاب بهم ، ويؤثر أن يعطيهم الفرصة تلو الأخرى لعلهم يهتدون أو يخرج من أولادهم وأحفادهم من يعبد الله. و لا عجب فهو الذي أرسله ربه: (( رحمة للعالمين)) الأنبياء الآية 107. صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
(( وهنا نتعلّم الدرس التاسع في: الصبر والتأني وعدم تعجيل العقاب للكفّار لعلهم يهتدون أو تهتدي ذرياتهم . ونجد هنا أيضا أحد الأدلة على نبوته عليه السلام، فقد تحقّق بالفعل ما أخبر به من إسلام أبناء المشركين فيما بعد، وهى الثمرة العاشرة من ثمار الرحلة ))