كشف ائتلاف المراكز الحقوقية بالإسكندرية عن جزء من تفاصيل ما كان يحدث داخل الزنازين المغلقة وسلخانات التعذيب بمقار أمن الدولة وعن أسماء المتوفين في السجون وقائمة سوداء لضباط التعذيب. جاء ذلك خلال جلسة استماع عقدتها 6 مراكز حقوقية بالإسكندرية، وهي مركز الشهاب لحقوق الإنسان ومركز النديم ومركز ضحايا وجمعية بلدي وجمعية المساعدة القانونية، وروى المعتقلون مأساتهم وكيفية اعتقالهم وأشكال التعذيب التي ذاقوها خلال 20 عاماً متواصلة في المعتقل دون حكم قضائي, إضافة لقصص مروعة لضحايا التعذيب والاعتقالات في عهد مبارك تعلن لأول مرة .
وأفاد المسجونون أن من أشهر مآسيهم أن رئيس مباحث سجن أبو زعبل قام بحرق المصاحف وأمر المعتقلين بالسجود لصورة مبارك والطواف حولها، إضافة للشرب من مياه ترعة الإسماعيلية, كما تم اغتصاب 5 مساجين جنسياً وأضربوا عن الطعام فماتوا, واستشهد قرابة الـ80 جراء عمليات التعذيب.
وقال د. محمد نجل د. عمر عبد الرحمن – المعتقل حالياً في سجون أمريكا- إنه ذهب إلى الشيخ أحمد الطيب عندما تسلم منصب شيخ الأزهر , فقال لي: "والدك من المشايخ القلة الذين يصدعون بالحق, وسأجلس مع المستشارين القانونيين, وبإذن الله هشوف حل", وحتى الآن لم يحرك ساكناً فى قضية أبي, فذهبت إلي رئيس جبهة علماء الأزهر فقال لي: "يا ابنى كلنا جبناء ووالدك كان من المشايخ القلة, بس صدقنى مفيش فى إيدينا حاجة نعملها".
وتابع: "عندما رحل نظام مبارك , تقدمت إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بطلب لمخاطبة أمريكا لترحيل أبى إلى سجون مصر , لأن المسئولين في أمريكا مرحبين بترحيل أبي , ولكن جهاز مباحث أمن الدولة هو الذي يرفض أن ياتي أبي إلى مصر, وحتى الآن لم يصلني الرد، فأرسلت لهم طلباً آخر منذ أسبوع".
أما مجدي عثمان الذي قضى 17 عاماً في السجن, فقال إنه دخل إلى السجن في ريعان شبابه عندما كان عمره 28 عاماً وخرج من السجن عندما تجاوز عمره الـ45 عاماً , "فمرضت والدتي بمرض السرطان " وخلال الـ17 عاماً لم أر زوجتي ولا أولادي ولا أمي المريضة".
وتحدث عن سجن أبو زعبل قائلا: "كانت إدارة السجن تأتى لنا بالمياه من ترعة الإسماعيلية ورائحتها كريهة ولا يطيق أحد أن يشمها لا أن يشربها, فكنا نضع المياه في زجاجات ثم نأتي بالقماش ونحاول أن نصفيها من الشوائب والطين الذي يملأها , وكنا نشربها حتى نعيش ولكن سقط منا شهداء داخل السجن لأن معدتهم كانت لا تتحملها".
وعن شكل الزنزانة قال عثمان: "لا توجد كهرباء فيها والصراصير والحشرات الغريبة كانت تملأها, ولا يوجد بها حمام , وكنا نقضى حاجاتنا في أكياس وكنا نتيمم لنصلى, وفي كل صباح يحدث تفتيش من إدارة السجن "ويسمى تفتيش مصلحة" كان المخبرون والضباط يدخلون علينا ويخرجونا من الزنازين ويجعلون وجوهنا في الحيط , ثم يسرقون كل ما في الزنزانة , ثم يأتون بمياه المجاري ويملأون بها الزنزانة, فلا نصلى من النجاسة ولا ننام من الرائحة والمياه العفنة".
وكشف عثمان عن وسائل جديدة للتعذيب وقال: "خلال 17 عاماً لم نأكل أي طعام به ملح , حتى فقدنا الكالسيوم من أجسادنا فأصبحنا ضعفاء ووقعت جميع أسناننا, وحرمنا من الشمس, وأصيب الكثير منا بتشنجات وصرع, فكان أي حدث يحدث خارج السجن مظاهرات أو خلافه كنا نعذب بسببه, فالدماء كانت تنزف من أجسادنا يومياً" .
أما مجدي زكي محمد موسي الحاصل على ليسانس حقوق وإجازة في تعليم القرآن الكريم والذي اعتقل في شهر 8 عام 1990م فيقول: "الضابط اللى ألقى القبض عليا قال لي نصف ساعة نحقق معاك وترجع لبيتك بالسلامة , فرجعت لبيتي في 29 /7 / 2007م !!. , وحتى الآن لا أعرف ماذا صنعت ولماذا تم اعتقالي كل هذه الفترة على الرغم من أننى حصلت على مئات الأحكام القضائية الواجبة للإفراج عنى ومعي صور تلك الأحكام".
وفجر "مجدي" مفاجأة من العيار الثقيل وقال: " 17 عاماً ضاعت من عمري في سجون مبارك , وبعد الثورة الناجحة التي أطاحت بالرئيس مبارك وحبيب العادلي , نسمع خبر تعيين اللواء محمود وجدي وزيراً للداخلية , اللواء محمود وجدي هو رئيس مصلحة السجون خلال فترة اعتقالي, وكان هو الشاهد على تعذيبنا , ودفن مئات الشهداء من المساجين في عصره, فهل هذه هي إنجازات محمود وجدي في السجون, فكنا نأكل في عهده في السجن الفول والأرز والخبز, لمدة 17 عاماً, وأقسم بالله العظيم لم أذق خلال الـ17 عاما سوي الأصناف الثلاثة فقط , وكان السجان يأتي لنا بالطعام ويضعه على الأرض دون أطباق , وكنت أخرج من وجبة العدس الواحدة عندما أقوم بتنقيتها على الأرض ما يزيد علي 25 دودة, فهل هذه مكافأة للواء محمود وجدي الذي أخشى أن يحول مصر إلى سجون كبيرة كـأبو زعبل وليمان طرة والعقرب الذي مات في زنازينه المئات من شباب مصر اليافع".
وأضاف بصوت حزين: "أنا لفيت السجون كعب داير" قضيت عاما في سجن الاستقبال , وعاما آخر في ليمان طرة ثم كنت أول سجين يدخل سجنا شديد الحراسة "أو ما يسمي بالعقرب" بعد افتتاحه في شهر6 عام 1993م , ونقلت في حملة تأديبية لسجن ليمان أبو زعبل قضيت فيه 12 عاماً دون زيارة وفى حبس انفرادي".
وأضاف: "كنا 47 معتقلا سياسيا , مات منا 8 , وأتذكر السفاح الضابط وليد فاروق النادي , الذي كان يتولى تعذيبنا وكان يشترط علينا أن نتجرد تماماً من ملابسنا , وكنا بالتالي لا نصلى لأن عوراتنا متكشفة , وكانت إدارة السجن تعطينا "بدلة خيش" كل عام , والـ48 معتقلا فقدوا أسنانهم جميعاً بسبب عدم وجود ملح في الطعام أدى إلى نقص الكالسيوم .
وبكى عندما تذكر موقفاً: "كنت في عنبر 5 , زنزانة انفرادي, وضابط السجن فتح لي الزنزانة وقال لي "ادخل الزنزانة إللي جنبك وخلى زميلك يفك الإضراب عن الطعام إللى عمله لأن مفيش حاجة عندنا بتجيب نتيجة معانا، فدخلت الزنزانة المجاورة لي ووجدت أخ "لا أريد أن أقول اسمه" ملقى على الأرض وبدون ملابس تماماً فقلت له لماذا أنت مضرب عن الطعام فقال لي: كنت مريضا فطلبت من إدارة السجن علاجا فأعطوني , ولكن العلاج كان ليس علاجاً لمرضي ولكنه كان منوما , ثم قام ضباط السجن بإدخال الجنائيين عليا فاعتدوا عليا جنسياً , فقررت أن أضرب عن الطعام , وبعدها بلحظات فارق الحياة".
وأضاف: كما أتذكر أخي "خالد كمال أبو المجد" الذي توفى أيضاً بعدما اعتدوا عليه جنسياً وأضرب عن الطعام حتى الموت .
وكشف عن أسماء المعتقلين الذين استشهدوا داخل السجون وقال: أتذكر أخي "أحمد عبد الرحمن" الذي كان يعانى من مرض البواسير وظل ينزف لمدة 3 سنوات دون علاج حتى مات بالجفاف, فرأيت من نظارة الزنزانة العساكر وهم يحملونه في بطانية ثم إلى ثلاجة الموتى"، وأخي الشهيد "حسن محمد إبراهيم" , ومات من شدة التعذيب , وكذلك الأخ "مجدي عبد المقصود", ولا أستطيع أن أنسي الأخ الشهيد "نبيل على جمعة" الذي مات وهو جالس على الجردل أثناء قضاء حاجته , وكذلك الشهيد "أحمد عبد العظيم" الذي توفى عام 1997 من شدة التعذيب في السجن, وكان الشهيد "يوسف صديق باشا" في الثلاثينيات من عمره ومن شدة التعذيب كان يقضى حاجته على نفسه حتى مات .
وأضاف: "المجرمون السفاحون الذين كانوا يعذبوننا حتى الموت، هم: "وليد فاروق – ضابط أمن الدولة , وأشرف إسماعيل –رئيس مباحث السجن.
وعن جرائم هؤلاء الضباط قال: رئيس المباحث – أشرف إسماعيل- , "يقول لنا ده لو الواحد حبس حمار كان مات" , فرد عليه أحد المعتقلين إحنا معانا كتاب ربنا , فقام هذا المجرم بلم جميع المصاحف من كل الزنازين وأحرقها أمام أعيننا ونحن مكبلو الأيدي والأرجل, فكان هذا الضابط يفعل ما لا يتخيله عقل , فكنا قرابة 100 معتقل في التأديب فكان يجمعنا , ويقول لنا طوفوا حول هذه الشجرة وقولوا لبيك اللهم لبيك , وكان يأتي بصورة حسنى مبارك ويقول لنا اسجدوا تحتها , فاعترض أحدنا فقتله , فسجد جميع الباقين وكنا شبابا في العشرينيات من عمرنا , ولكن كانت قلوبنا تتقطع حزناً وألماً .
وتابع: "بعد هذه المشاهد التي لا أستطيع أن أحكيها كلها لأن بها أحداثا لا يصح أن أحكيها , قام الرئيس مبارك بإعطائه وسام شرف في أحد أعياد الشرطة"، كذلك المجرم الضابط طارق إلياس كان يدخل كل زنزانة ويعطى لها الطعام فكان الطبيعي أن يأتى بمغرفة العدس ويضعها على الأرض دون أطباق -وكنا راضين بذلك- , ولكن كان يقوم بوضعها على رأسي ويقول "كل بقى العدس من على راسك" , وكان لا يوجد مياه لكي ننظف أنفسنا أو نغسل الخيشة التى كنا نرتديها, فكنا في حالة تعفن صعبة".
وأشار إلى أن الضابط أيمن طاهر بيلعب مصارعة فكان يأتي بالمعتقلين ويتمرن فيهم كل يوم, والضابطان باسل حسن وعلاء طه كانا يمارسان التعذيب علينا أيضاً .
وطالب بحل جهاز أمن الدولة والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين, وقال: سأقوم برفع قضية على الضابط المجرم على أحمد سليمان – مدرب حراس مرمي النادى الأهلى الذى كان يمارس علينا أشد ألوان التعذيب .
من جانبه قال محمد إسماعيل عبد الغنى قال : تم اعتقالي من 81 ثم خرجت ودخلت عشرات المرات، مؤكدا أن ضباط السجن أمثال مجدي الفار ومحمد السعيد لابد أن يعدموا على ما ارتكبوه من إجرام في حق المساجين السياسيين الذين نزفت دماؤهم الشريفة وقت التعذيب .
وقال: "ما يؤلمني هو لحظة الحكم بالإفراج فكنا نطلق عليه اسم "إحراج" لأن الإفراج لم يطبق علينا, فأنا حصلت على عشرات الأحكام بالإفراج عنى ولكن الضباط يتحفظون علينا في جهاز أمن الدولة بلاظوغلي ثم يفبركون محضراً, حتى ظللت في هذه الدوامة قرابة الـ20 عاماً ".
وعن الكوارث التى تحدث في سجن الوادي الجديد فيقول: "إن ضابط السجن دخل علينا ونحن نصلى وأجبرنا على التسليم من الصلاة وقال لنا "كلكم تصلوا وتقولوا مبارك أكبر .. جمال أكبر" وأخذ يضحك ويستهزيء ونحن نبكي".
وتابع: "أننا كنا أمام مقر أمن الدولة نصلى "بالغماية" فقام أخ بنزعها, فوجدنا واقفين على شكل دائرة كلنا في وجه بعضنا نصلى الظهر , وكان الحلاق يدخل علينا في الزنزانة ويحلق لنا شعر رأسنا وحواجبنا وذقننا وصدرنا ويتم تعذيبنا وضربنا بمواسير من حديد".
وعن أشكال التعذيب التي تتنافى مع الآدمية قال: "كان الضباط يمرحون بنا فكانوا يجبرونا على أن نمشي على أربع ونخرج كما يخرج البعير ونحن بلا ملابس تماماً , وكانا الضابط يأمرنا بتغيير أسمائنا لأسماء بنات فطلب منى أن أغير اسمى إلى اسم بنت فقلت له أنا حذيفة , فظن أنه اسم أنثى فتركني".
وكشف هيثم إبراهيم – الذي قام بتغسيل السيد بلال وأهو أقرب أصدقائه , عن وقائع جديدة فى عملية قتله حيث قال: استشهد السيد بلال في مقر أمن الدولة بمديرية الأمن القديمة ثم نقل إلي مشرحة كوم الدكة, فأسرعت إلى المشرحة ودخلت غرفة المشرحة ووجدت الشهيد في كيس ففتحت هذا الكيس وقمت بتصوير أماكن التعذيب التي تعرض لها السيد, إلى أن شاهدني أحد المخبرين فكتفني واعتدى على بالضرب , وحضر الغسل معي ناصر العبد مدير مباحث الإسكندرية وخالد شلبي رئيس مباحث الإسكندرية, وشاهدت بعيني سحجات في رأس السيد بلال مكان مشابك الكهرباء نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى طعنات تحت كتفه وفى فخذه وفى رجله تقدر بـ50 غرزة , بالإضافة إلى أن عورته كانت متورمة تماماً .
وأضاف: "علمت من أصدقاء السيد الذين اعتقلوا معه أن عددهم كان 23 أخا محتجزين في مقر أمن الدولة بمديرية الأمن القديمة وأن السيد وضعه ضباط أمن الدولة على سرير التعذيب الكهربائي لمدة 12 ساعة متواصلة حتى فارق الحياة، وبعد كل هذا قال لنا الضابط خالد شلبي: "الرمة ده لازم يدفن دلوقتي , ولو مش هتدفنوه, إحنا هندفنه فى مدافن الصدقة".
وتابع: "حتى الآن يتصل خالد شلبي وناصر العبد وقيادات أخرى بمديرية الأمن بأسرة السيد بلال يهددوهم بخطف بلال. وأضاف: الذي حال بينه وبين الحضور هو أن ضابطا من المديرية اتصل به قبل بدء جلسة الاستماع وقال له إن حضرت ستعود إلى المنزل ولن تجد ابن أخيك".
وعقب ذلك تلا خلف بيومي – مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان قائمة العار من ضباط الداخلية المتورطين فى التعذيب وكان فى مقدمة هذه القائمة السوداء : اللواء ممدوح وجدي-وزير الداخلية واللواء محمد إبراهيم-مدير أمن الإسكندرية السابق و خالد شلبي و ناصر العبد و خالد سعد و مجدي الفار و محمد السعيد و طارق إسماعيل و باسل حسن و علاء طه و محمد أبو حتيتة و محمد إبراهيم و وائل الكومي و محمد صبري و محمد التهامي و إبراهيم النجار و أحمد المجبر و معتز العسقلانى و هيثم صبحي .