د. راغب السرجاني
سيادة الرئيسأرى الخلق اجتمعوا على مشاعر معينة تجاهك.. كلها –كما تعرف– مشاعر تموج بالكراهية والحقد والغل.. مشاعر تراكمت على مدار سنوات طويلة، فليس هذا البغض حديثًا، إنما هو قديم قديم.. لعله منذ أول أيام ولايتك.. وأسباب كراهيتهم لك منطقية للغاية.. جوع.. بطالة.. فساد.. تكبر.. قهر.. استبداد.. تعاون مع اليهود.. خضوع للغرب والشرق.. هوان عالمي كبير لمصر.. وغير ذلك من فظائع اتسمت بها فترة حكمك.. وخُتم هذا السجل الحافل الفاشل بتزوير فاضح لانتخابات مجلس الشورى ثم مجلس الشعب.. تزوير خرج عن حدود المنطق والعقل.. إلى الدرجة التي اضطرت فيها الحكومة الفاشلة في النهاية أن تزور الانتخابات لصالح بعض المعارضين! حتى يُخفف من شكل الصورة الهزلية!
لا شك أنَّ هذا التاريخ الأسود كان سببًا في كراهية عميقة لك في وجدان الشعب المصري كله، وفي وجدان الشعوب العربية والإسلامية، بل لا أبالغ إن قلتُ أنَّ هذه الكراهية صارت في قلب كل حر في العالم! لقد كان الجميع ينتظر من مصر الكثير والكثير.. ولكن للأسف وجدوها في حاجة للعون، ولا طاقة لها بعون أحد..
وتعمقت الكراهية أكثر وأكثر عند رؤية الشعب لخطواتك الحثيثة التى تسعى لتوريث ابنك الحكم من بعدك.. فهذه إشارة أنَّ الشعب سيعيش هذا الضنك، وهذه الإهانة لعدة عشرات أخرى من السنوات، خاصة وأن السنة الإلهية الماضية أن أعمار الظالمين تطول جدًا، وجلهم يتجاوز السبعين والثمانين!
هذا وغيره جعل الناس يكرهونك، بل لعلهم لم يكرهوا في حياتهم رجلاً مثلك!
هذه علامة خطيرة يا سيادة الرئيس! ولا أقصد خطورة الدنيا فقط.. لا أقصد خطورة تربص الشعب لك، ورغبته الأكيدة في الفتك بك، ولكني أقصد شيئًا آخر قد تكون أهملت النظر له طيلة عمرك، وهو أنَّ هذا البغض الجماعي لك قد يكون علامة بغض الله لك! وهذا ليس مستغربًا، فلا شك أنَّ الله يبغض كل الفراعين والطواغيت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ"..
والواقع –يا سيادة الرئيس– أنَّ البغضاء قد نزلت لك في الأرض!
وأنا واحد من أفراد الشعب الذي يكرهك.. لكني أحمل لك شعورًا إضافيًا قد يستغربه كثير من الناس، بل قد تسغربه أنت شخصيًا.. وهو شعور الشفقة!
لعلك تقول: وهل يشفق الناس على الطواغيت؟
أقول لك: نعم!. في بعض الأحيان نعم!
أشفق على رجل تجاوز الثمانين يسير معصوب العينين، وقد طُمس بصره وبصيرته، إلى نهاية بائسة، يُلقى فيها في حفرة قبره، ليبدأ الحساب العسير على سنوات البغي والضلال..
لو تؤمن يا سيادة الرئيس بالبعث والنشور ما طاب لك طعام ولا شراب، فالناس جميعًا سيحاسبون على أنفسهم وأهلهم، وأنت ستحاسب على شعب كامل!
يا لهول ذلك الأمر!
لا أعتقد أنَّ واحدًا من المنافقين الذين أحطت نفسك بهم نبَّهك إلى حقيقة هذا الأمر، مع أن بعضهم يعمل في "وظيفة" شيخ!
ماذا أعددت يا مسكين لسؤال ربك؟
ماذا ستقول لربك عن عشرات الآلاف من المعتقلين ظلمًا دون قضية ولا محاكمة؟
ماذا ستقول عن تكريس أكثر من نصف مليون إنسان لحماية شخصك، مع كل ما يتطلبه ذلك من أموال، ومن إهدار طاقات وأوقات؟
ماذا ستقول عن الملايين الذين جاعوا في عهدك، وقد تحولت ثروات البلد إلى جيبك وجيوب المقربين منك ومن أولادك؟
ماذا ستقول عن مواقفك المخزية من قضايا المسلمين حولك.. تشارك في حصار غزة.. تترك السودان وحيدًا أمام قوى العالم الباغية.. تجري وراء أمريكا في أي وادٍ تهيم فيه.. تصادق الصهاينة.. تعادي المسلمين؟
ماذا ستقول عن "جهاز أمن الدولة" الذي صيَّرته جهازًا "لفزع" الدولة والشعب؟ والذي لم يعد له همٌّ إلا الطغيان والعدوان وترسيخ الظلم والخوف، وممارسة التعذيب والإذلال؟
ماذا ستقول عن الغاز الذي بعته لعدوك، والبلد التي بعتها لأصحابك؟
بل ماذا ستقول عن شرع الله الذي عزلته عن حياة الناس، وعن كتاب الله الذي تركته وأهملته؟
أواه يا سيادة الرئيس!
إنك في موقف تعيس!
هل تتخيل مصيرك الذي تسير إليه مسرعًا..
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ"..
يا سيادة الرئيس.. قد أعذر الله إليك، وقد أمد لك في العمر حتى يعطيك فرصة التوبة، ولكنك ما زلت متشبثًا بالمصير التعيس!
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً"..
وأنت بلغت الستين منذ أكثر من عشرين سنة! ألم تنتبه؟!
لعلك كنت تتمنى أن تسمع هذا الكلام في أول عهدك، فقد كانت أمامك فرصة أن تكون من تكون من المقربين إلى الله إذا عدلت في حكمك.. فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر في أولهم: إِمَامٌ عَادِلٌ..".. ولكن للأسف لم يسمعك أحد هذا الكلام؛ لأنك –للأسف– اخترت بطانة السوء، والحاكم يكون من البطانة التي اختارها، فليس هناك -كما يظن بعض السذج- رئيس صالح لا يدري عن الفساد في بلده شيئًا، والكل يسرق من حوله وهو نظيف! ليست هناك هذه الصورة المضحكة، بل يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ وَالٍ إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهُوَ مِنْ الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا"..
وما العمل يا سيادة الرئيس؟
هل ضاعت الفرصة، وصار الطريق حتميًا إلى جهنم؟!
الواقع –الذي لا يشفي صدور الناس– لا!!
هناك فرصة..
نعم ليست طويلة لأنك بلغت من الكبر عتيًا، ولكنها موجودة على كل حال..
أن تتوب إلى الله!
هل تعرف هذا المصطلح: التوبة؟
لا شك أنه جديد على القصر الرئاسي، فقليلاً ما يتوب المتكبرون، ولكن صدقني هناك فرصة! وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الرجل الذي قتل مائة من البشر قد غفر الله له عندما حقق التوبة الصادقة.. نعم عدد قتلاك يتجاوز هذا الرقم بكثير، لكن العبرة بصدق التوبة لا بحجم الجريمة.
وعليه فإني أنصحك –وأنا والله لك ناصح أمين– بما يأتي: أنصحك ألا تسوف في التوبة، فالموت يأتي بغتة..
وأنصحك أن ترحل فورًا دون تسويف أيضًا.. ارحل قبل أن تراق المزيد من الدماء.. ارحل قبل أن ينقلب عليك جيشك الذي سمح بكتابة عبارات الكراهية لك على دباباته ومصفحاته.. ارحل قبل أن يفتك بك شعبك وعندها لن تجد وقتًا للاعتذار.. ارحل فورًا ولا تكن بطيئًا في التفكير..
وأنصحك أن تعيد للشعب ما أخذته منه بغير وجه حق على مدار السنين، فليس لك إلا المخصصات القانونية التي يكفلها الدستور للرئيس، والشعب لا يمانع أن تأخذ راتبًا كالذي يأخذه رئيس أكبر وأغنى دولة في العالم، لكن لا تأخذ فوقه شيئًا، وأنا أعلم أن إعادتك للمليارات من الدولارات أمر صعب، لكن الأصعب منه هو الحساب على هذه الأموال، ولا أقصد حساب الشعب، ولكن أقصد حساب القبر، وهو –بالنظر إلى عمرك– قريب للغاية!
وأنصحك أن تتفرغ بقية عمرك لقراءة الكتاب العظيم الذي لم تلتفت إليه في حياتك، وهو القرآن الكريم، وستدرك حينها كيف ضيَّعت على نفسك وعلى شعبك فرصة هداية كبيرة.
وأنصحك أن تخاطب شعبك خطابًا متواضعًا تعتذر فيه عن فساد نظامك، وتعتذر للشعب عن تزوير إرادته دومًا، فأصحاب الحقوق عندك كثيرون، وكلهم سيأخذ من حسناتك.
وأنصحك أن تجمع ولديك وتحذرهم من سوء الخاتمة، فأنت تعلم أن الموت لا يفرق بين كبير وصغير، وعليك –إن كنت حريصًا على مصلحتهم– أن تدربهم على التوبة من ذنوب القهر والتزوير وغيرها من أخطاء في حق الشعب، فالأمر –والله– جلل.
والله –يا سيادة الرئيس– أنا لك ناصح أمين.. لا أسألك عليه مالاً.. إن أجري إلا على الله.. ولن يصيبني إلا ما كتب الله لي..
فستذكر –أيها الرئيس– ما أقول لك، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..