حتى منتصف التسعينيات كان على المشاهد العربي الاعتماد على القنوات الإخبارية الغربية لمتابعة الأخبار والمعلومات الشاملة عن مختلف القضايا والأحداث الراهنة. غير أن المشكلة في تغطيته للأحداث تمثلت بشكل أساسي في ضعف المساحة المخصصة لوجهة النظر العربية.
في تلك الأثناء كان الإعلام الحكومي العربي يقدم الأخبار بشكل انتقائي وأحادي الجانب، أي بشكل لا يتعارض مع السياسات الحكومية، أو بشكل جعل منه منبرا لجلالة الملك وفخامة الزعيم. وهكذا وجد المتتبع العربي لوسائل الإعلام نفسه بين مطرقة الإعلام الحكومي وسندان الإعلام الغربي.
وقد بقي هذا الوضع كذلك إلى أن ظهرت قنوات إخبارية عربية مستقلة كقناتي "الجزيرة" و"العربية" شكلت من وجهة نظر معظم خبراء الإعلام ما يشبه بثورة إعلامية. في هذا الصدد يؤكد الصحفي والكاتب الانجليزي هوغ مايلس أن ظهور فضائيات مثل الجزيرة و العربية و أبو ظبي قد غير من ملامح المشهد الإعلامي العربي، لأنها استطاعت انتزاع موقف الاحتكار لدى الإعلام الغربي.
سر تفوق الإعلام الخاص:
تتمتع الفضائيات الإخبارية الخاصة اليوم في العالم العربي بنسبة مشاهدة غير مسبوقة في إعلامنا العربي، فعلى سبيل المثال يشاهد قناة الجزيرة يوميا حسب هوغ مايلس حوالي أربعين مليون عبر العالم، فهي من خلال برامجها الهادفة و الواعدة مثل "الاتجاه المعاكس" و"أكثر من رأي" أحرجت الإعلام الحكومي الذي لم يرقى بعد إلى ذوق المشاهد العربي، ولا يزال قابعا في ذيل الإعلام العالمي.
في هذا الصدد يرى الإعلامي اليمني عارف الصرمي أن ما توفر للإعلام العربي الخاص من نجاح ليس مرده فقط إلى مستوى الجودة وكفاءة الصحافيين العاملين في هذا القطاع، بل أيضا إلى تمتع وسائل الإعلام الخاصة بمساحة أكبر من الحرية مقارنة بوسائل الإعلام الرسمية. وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور إعلام احترافي في بعض وسائل اٌلإعلام الخاصة التي تسود الفضاء الإعلامي الرسمي وغير الرسمي. فإحجام الجماهير العربية - بدرجة كبيرة - عن التعامل مع إعلامها الرسمي، مرده إلى شعورها بأن هذا الإعلام لا يمثلها، ولا يعبر عن مشاكلها واهتماماتها و طموحاتها، الأمر الذي دفعها (مكرهة) للارتماء في أحضان الإعلام الآخر، الذي بدأت قنواته الفضائية تملأ الفراغ الكبير الذي أحدثه الإعلام الحكومي.
وهذا ما يؤكده ياسين من المغرب وهو طالب بكلية الحقوق حيث يقول أن الإعلام الخاص سيطر على الساحة الإعلامية العربية لأنه مستقل ويفضح الأمور السياسية الداخلية، وبالتالي يلعب دورا رياديا. نفس الرأي يؤكده محمد الطالب العراقي بألمانيا إذ يقول: "الإعلام الخاص سحب البساط من الإعلام الرسمي نظرا لما يتمتع به من حيادية، كذلك لمساهمته في تحسيس الشارع العربي بهويته القومية أكثر من الجامعة العربية نفسها".
أما سامي وهو طالب مغربي بجامعة بوخوم الألمانية فيرى بأن الإعلام الخاص استقطب اهتمام المواطن العربي لكنه رغم ذلك لا زال يعمل في إطار هامشي بسبب الرقابة المفروضة عليه. في حين يرى الإعلامي من أصل سوري ومدير مكتب الجزيرة في برلين أكتم سليمان أنه لا يمكن الحديث عن حسم المعركة لصالح الإعلام الخاص فنجاح هذا الأخير ساهم إلى حد كبير في تحسين الإعلام الحكومي و بالتالي منافسته، وأضاف سليمان بأن أحد الأسباب تكمن ربما في أن الإعلام الخاص في العالم العربي ليس إعلاما مستقلا بالمعنى التقليدي للكلمة.
وعي جديد لدى الجمهور العربي:
فاطمة المرنيسي - واحدة من رائدات الحركة النسائية العربية - تقول أن الإعلام العربي الخاص خلق فضاء كبيرا لدى المشاهد، وساهم بما أسمته "دعم توحيد الأمة الإسلامية الرقمية أمام الشاشات"، فظهور أدوات وأساليب جديدة في طريقة عمل الإعلام الخاص، بالإضافة إلى احترافيته أدى إلى بلورة علاقات جديدة بينه وبين المتلقي العربي. حيث أثمرت هذه الأساليب عن ثورة عميقة في شمولها لوسائل الاتصال وبناها ووظائفها،وكذلك في تأثيرها على المجتمع. وفي هذا السياق يمكن القول بأنها تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الرأي العام والتقريب بين المجتمعات والمساهمة في تبادل الخبرات والمعارف مع الآخرين في أنماط عيشهم.
الإعلامي اليمني عارف الصرمي يرى على أن الإعلام الاحترافي عالي الجودة الذي ظهر لدى بعض القنوات العربية غير الرسمية قد ساهم في انتشال الذهنية العربية العامة من خندقة إعلام رسمي أبدي "يسبح بحمد السلطان وينتهي عند مربعات استقبل وودع"، حيث انتقل هذا الإعلام الاحترافي إلى إعلام اللحظة وقضايا العقل والتنمية المعاصرة ومتطلبات الحياة.
نتيجة لذلك اتسعت آفاق الجمهور العربي وتفتقت مداركه على قضايا لم تكن حاضرة في الإعلام الأحادي، وبالتالي فهو أسدى خدمة للوعي العربي من ناحية، ووضعه أمام تحدي بين الحضارة الإنسانية والثقافة العالمية من ناحية أخرى. في المقابل يرى الإعلامي أكتم سليمان أن الوعي العربي كان دائما موجودا، وليس ثمرة المحطات والفضائيات الجديدة، لما يرتبط به من عوامل تاريخية وثقافية، وبالتالي فان وجود هذه المحطات خلق بيئة إعلامية عربية جديدة، لما لذلك من قضايا ذات اهتمام مشترك في العالم العربي.