"الصحافة تعمل على هدم العالم القديم لتنشيءعالما جديدا"..راودتني تلك المقولة للفيلسوف والمفكر الفرنسي "فولتير"، بعد أن طالعتنا كبريات الصحف والمجلات الغربية بالعديد من التقارير والأنباء عن الأوضاع في مصر من صحة الرئيس مبارك، والتغيير المحتمل والذي رأت بعضها أنه بات أمراً محتوماً إلى قضايا حقوق الإنسان والتعذيب وأزمة حوض النيل وحرب المياه المزعومة وغير ذلك من القضايا التي تشغل الرأي العام حول مستقبل مصر بعد عالم الرئيس مبارك.
على مدى الأسبوعين الماضيين تواترت تقارير عديدة ومن مناطق متنوعة عن الحالة الصحية للرئيس مبارك فصحيفة مثل "الواشنطن بوست" الأمريكية تحدثت في تقرير لها هذا الأسبوع أن الغرب يعتقد أنّ الرئيس مبارك البالغ من العمر 82 عاماً يحتضر بسبب إصابته بسرطان مزمن وتتابع الولايات المتحدة ووكالات استخباراتية غربية صحته عن كثب، وأن القاهرة تتكتم على حالة الرئيس مبارك الطبية المتدهورة.
وتطرقت صحيفة "الجارديان" البريطانية هي الأخرى إلى الظهور التليفزيوني للرئيس مبارك الذي يحكم مصر منذ 29 عاماً وفي العام الأخير من فترة رئاسته السادسة خلال الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو وبدا خلال معتلاً وشاحباً بعد تأجيل العديد من جدول لقاءاته".
أشارت "الجارديان" إلى أن القضية التي يتم تداولها كثيراً الآن في مصر هي أن مبارك يحكم مصر منذ 29 عاماً وهو الآن في السنة الأخيرة من فترة حكمه السادسة، ولم يعلن إن كان سيخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل أم لا، وتبرز ثلاثة أسماء مرشحة لخلافة مبارك هي ابنه جمال ورئيس المخابرات عمر سليمان ذو الخلفية العسكرية مثل مبارك الذي كان قائدا للقوات الجوية إبان حكم الرئيس السادات، والدكتور محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية.
خصصت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية التي تعد أهم المجلات الاقتصادية في العالم ملفاً شاملاً عن مصر، تناولت فيه القضايا السياسية المطروحة علي الساحة المصرية حالياً، حيث ركزت المجلة علي انتخابات الرئاسة المقررة في 2011، إضافة إلي الوضع الاقتصادي، أوضاع التعليم من خلال رصد التطور الزمني لتلك القضايا خلال سنوات حكم الرئيس مبارك.
ورسمت "الإيكونومست" ثلاثة طرق للمستقبل السياسي في مصر بعد عالم مبارك هي إما أن تصبح مثل روسيا التي يتولى الحكم فيها رجل قوي من النظام أو أن تسير على خطى النظام الثوري الإيراني ونشاهد موجات من الغضب تجتاح البلاد أو أن تتبع النموذج التركي وتنفتح على العالم وهو أفضل الحلول في نظر كاتب التقرير.
صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية من جانبها تحدثت في أحد تقاريرها عن أزمة مياه النيل في ظل صراع دول المنبع للسيطرة على مياه النيل وإعادة توزيع حصص المياه، وقالت الصحيفة إن بلدان شرق أفريقيا تبذل جهودا حثيثة من أجل احتواء أزمة آخذة في التصاعد بشأن السيطرة على مياه النيل، وتواصل أن البلدان التسعة المشاطئة لنهر النيل كانت دائما على خلاف فيما بينها فيما يخص الوصول إلى مياه النيل التي تعتبر حيوية لاقتصادها علما بأن الإمبراطورية البريطانية منحت كميات كبيرة من مياه النيل بمقتضى اتفاق إلى مصر عام 1929. وأشارت إلى أن مصر دافعت دائما عن حقوقها التاريخية في مياه النيل والتي تبلغ 58.5 مليار متر مكعب أي أكثر من 80 في المائة من مياه النهر في حين يحصل السودان على 11 في المائة، أما باقي البلدان السبعة فتحصل على الكمية القليلة المتبقية.
وتحدثت صحف أخرى أمريكية وبريطانية عن جريمة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد المعروف في الإعلام الحكومي بـ "قتيل الإسكندرية" وفي الأوساط الحقوقية وبين النشطاء السياسيين بـ "شهيد الطوارئ" على يد رجال الشرطة تأتي في إطار نموذج التعذيب الممنهج والعنف المستمر الذي تمارسه الشرطة التي لا تعاقب علي هذه الأفعال ضد المواطنين، ولفتت هذه الصحف أن هذه الانتهاكات تزيد سخط المصريين علي حكومتهم وتشجع مناخ عدم الاستقرار في البلاد.
وأشارت إذاعة "ان بي آر" فى تقرير بثته الاثنين عن قضية خالد سعيد إلى الوقفات والمظاهرات العديدة التي نظمتها القوى السياسية والشعبية في مصر احتجاجا على مقتل خالد سعيد، وكان أبرزها المظاهرة الحاشدة بميدان كليوباترا في الذكرى الأربعين لمقتل خالد سعيد، التى انطلقت المظاهرة من ميدان كليوباترا بشارع بورسعيد وتحركت لمنزل خالد سعيد، حيث تجاوبت والدة خالد مع الفاعلية برفع صورة ابنها من شرفة المنزل.
وتناولت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية رحيل المفكر الإسلامي الدكتور نصر حامد أبو زيد صاحب أشهر قضايا "الحسبة" خلال القرن العشرين والذي صَدر القلق من خلال طروحاته الفكرية المثيرة للجدل وممارساته الفكرية الغريبة، لكثير من المؤسسات المصرية، من المؤسسة الجامعية التي باتت تغوص في المياه الراكدة منذ أمد بعيد، إلى المؤسسة الدينية التي نصبت نفسها كرقيب على المجتمع تتهم من تشاء بما تشاء وتصدر حكمها بما تشاء أيضا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أبو زيد أدهشت دراساته وأطروحاته أبو زيد موجة الأسلمة المفاجئة التي اجتاحت المجتمع المصري منذ نهاية السبعينات؛ فبعد أن قطعت مصر شوطاً لا بأس به في طريق الحداثة، إلا أنها ارتدت على أعقابها فجأة إلى خطاب ديني"وهابي" أجهض كل أشكال التفكير النقدي والتقدمي.
كما نشرت مجلة السياسة الخارجية "فورين بوليسي" الأمريكية في عددها الأخير ملفاً كاملاً من ثلاثة تقارير عن الأوضاع الحالية في مصر لثلاثة من كتابها المعنيين بشؤون الشرق الأوسط، تحدثوا فيه عن رؤيتهم لـ"مستقبل مصر بعد عالم مبارك" وتسألوا عن إمكانية التغيير في مصر؟ وما هي أشكال هذا التغيير الذي تحتاج إليه البلاد كثيراً في السنوات القادمة؟
وأشارت المجلة إلى أن السؤال في مصر الآن بات عن الوقت الذي سيحدث فيه التغيير وليس عن إمكانية حدوثه، مشيرة إلى أن التغيير قادم في مصر لا محالة عاجلا أم أجلا؛ بعد أن باتت أوضاع المصريين بلا تغيير منذ عقود، وحديث الرئيس مبارك المتكرر "الاستقرار من أجل تحقيق التنمية والتطور".
ولفتت إلى التغيير الذي حصل في السنوات العشر الأخيرة حيث ما كان أحداً يجرؤ علي الاقتراب من قضايا حساسة مثل حقوق الإنسان أو الحرية السياسية أو الانتخابات، لكن قادة المنظمات غير الحكومية الآن أصبحوا يتمتعون باهتمام الشعب، رغم أن الحكومة لا تزال في موقفها المعادي لهم، لكنها مضطرة إلي احترامهم علي مضض في جلسات الاستماع بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل يعجل كل الاهتمام بالتغيير الذي بات مؤكداً وفق للشواهد الحالية أم أن النظام الحاكم بالقوة التي لا تقدر عليه كل هذه الفورات السياسية والاجتماعية التي تجتاح مصر في الآونة الأخيرة وفي ظل التقارير الكثيرة التي تتحدث عن قرب انتهاء عهد الرئيس مبارك والغموض الذي يكتنف المشهد السياسي في مصر في ظل عدم إعلان الرئيس مبارك عن خوضه انتخابات الرئاسة القادمة وتزايد التأييد الشعبي للمرشح الافتراضي للرئاسة الدكتور محمد البرادعي رئيس الجمعية الوطنية للتغيير.