كان موكب المعز لدين الله الفاطمي على مشارف بوابات القاهرة فخرج المصريون رجالاً و نساءً و أطفالاً يستقبلونه ليلا حاملين الفوانيس لإنارة الطريق و بعد وصول القافلة إلى القصر أثارت هوية الخليفة الجديد و حاشيته فضول جماهير الشعب فقاموا بالدوران حول القصر حاملين الفوانيس.
كان من عادة المعز لدين الله التقرب إلى محكوميه فأمر النساء بتوزيع الحلوى على الأطفال من شرفات القصر فانطلق النداء الشهير "حاللو يا حاللو" حتى أصبح تقليد مصاحب لرمضان و يرتبط ارتباطا وثيقا بالفانوس.
بعد مرور أكثر من ألف عام يقف الفانوس المصري بكل تراثه و تقاليده في مواجهة غزو قادم من أقصى الشرق، من الصين، حيث حل محله فانوس (حسن شحاته وأبو تريكة وكورومبو و نانسي عجرم) تصدر منه أصوات الأغاني ويقوم بالحركات البهلوانية حتى استحوذ على اهتمام الأطفال تاركا نظيره التقليدي محلى الصنع يصارع للبقاء.
يؤكد الخبراء أنه ما كان للصين أن تقدم على مثل هذه الخطوة لولا الخطأ التاريخي بعدم تسجيل حقوق ملكية الفانوس المصري مما جعله عرضة للتقليد بدون مقابل مهددا قيمته التاريخية و الوجدانية.
يقول السيد رشاد، رئيس لجنة التراث بالاتحاد العربي للملكية الفكرية أنه لابد من تسجيل حق الملكية الفكرية للفانوس المصري باسم الإدارة العامة للحرف التقليدية بوزارة الثقافة حيث أن المستفيدين الوحيدين من الوضع الحالي هم المهربين والاقتصاد الصيني وهذا ينطبق على بقية السلع التراثية.
جاء ذلك خلال ندوة نظمتها لجنة تطوير المهنة والتدريب بنقابة الصحفيين بالاشتراك مع لجنة التراث في الاتحاد العربي للملكية الفكرية حول حقوق الملكية الفكرية والغزو الصيني لفانوس رمضان.
وطالب رشاد بسرعة إنشاء مدينة للحرف التقليدية في القاهرة و إنشاء فروع لها في المحافظات بهدف إيجاد إنتاج منظم لهذه الحرف و تدريب الشباب عليها فضلا عن وجود شركة تسويق ضخمة تسوق منتجات الحرفي بسعر عادل بدلا من تركه فريسة للسماسرة الذين يشترون منتجاته بثمن زهيد ويبيعونها بآلاف الدولارات كما أن هذه المدينة ستوفر فرص عمل ضخمة تتراوح ما بين 250 و 300 ألف فرصة عمل بتكلفة استثمارية قليلة تتراوح ما بين 500 و 5000.
على جانب أخر يؤكد خبير الفلكلور محمد الدسوقي أنه من المستحيل أن يختفي الفانوس أو أن يندثر أمام الغزو الصيني إلا إذا توقف المصريون عن اقتناءه لأنه منتج تراثي يعتمد على مساندة الجماعة الشعبية و طالما يوجد عليه طلب من المستهلكين سيظل موجودا.
و أوضح أن الفانوس الصيني لم ينجح سوى في التأثير على نوع واحد من الفوانيس و هو الفانوس صغير الحجم الذي يتداوله الأطفال حيث أنه يتمتع بعوامل أمان أكثر بدءا من استخدام البلاستيك بدلا من الصفيح الذي كان يؤدي في بعض الأحيان إلى جرح حامله بالإضافة إلى عناصر الجذب و الإبهار باستخدام الأغاني و الحركات و تسميته بأسماء محببة لدى الأطفال.
و أضاف الدسوقي أنه أمام هذه المتغيرات لجأ الصناع إلى التركيز على الفوانيس ذات الأحجام الكبيرة و إيجاد حل تسويقي بديل عن طريق بيعها إلى الفنادق والخيام الرمضانية و تصديرها إلى الخارج حيث يزيد الطلب على الفانوس المصري و ينعدم تقريبا على الفانوس الصيني.
كما كشف الدسوقي أن صناعة الفوانيس تستمر طوال العام من بعد عيد الفطر وليست صناعة موسمية وأنها كانت تتركز في منطقة تحت الربع قبل أن تنتقل إلى أحياء و محافظات أخرى لتصبح تحت الربع مجرد مركز بيع و تسويق كما حاول الحرفيين تحسين الخامات المستخدمة في تصنيع الفانوس و جعله أكثر أمنا ليواكب التغيرات التنافسية في السوق.
و أكد على أن الفانوس المصري لم تتأثر قيمته التراثية حيث أنه يظل العلامة المسجلة لرمضان بعكس الفانوس الصيني الذي يعتبر لعبة مثل باقي الألعاب تستخدم طوال العام كما أن الفانوس المصري هو منتج نابع من وجدان الشخصية المصرية حيث يستقي الصانع تصميمات و زخارف الفانوس من الثقافة المصرية مثل تصميمات المساجد و البيوت القديمة.